Thursday, November 14, 2013

إزالة الإشكالية عن أحاديث عاشوراء

قال صاحبي على صفحتي فيسبوكية بأنه يرى تعارضا بين أحاديث عاشوراء، وقال موضحا لأحد أوجه هذا التعارض:
"متى أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بصيام عاشوراء؟ فالظاهر –لدي- من رواية ابن عباس "لما قدم المدينة وجد اليهود..." انها في السنة الأولى، بينما الرواية الأخرى "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع..." تدل أنها في السنة الأخيرة حيث لم يدركه النبي (صلى الله عليه وسلم) أي بعد أن أجلى اليهود من المدينة بسنوات"
  ثم قال صاحبي متسائلا باستنكار: "يا ليت  علمي أ وافقهم في الصوم لما كانوا حاضرين معه في المدينة وبعد إجلائهم نوى مخالفتهم بصوم التاسع والعاشر؟!!!
وأنا هنا أحاول بيان عدم التعارض بين الحديثين سائلا الله التوفيق والسداد، فأقول:
إن الحديثين اللذان أشار إليهما صاحبي مرويان من صحابي واحد، وهو ابن عباس رضي الله عنه، وسأورد الحديثين بلفظهما ثم أجيب على التعارض المذكور.
الحديث الأول:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» ، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" البخاري 3/44  دار طوق النجاة، الطبعة الأولى.
الحديث الثاني:  
 عن غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" صحيح مسلم 2/797. دار إحياء التراث العربي. تحقيق فؤاد عبد الباقي.

تحليل الحديثين والإجابة على الإشكالية
غالبا عندما نريد الإجابة على الإشكاليات، فنجد أن النظر في ثنايا النص والتدقيق في ألفاظه ومقارنة الروايات بعضها ببعض تحمل في طياتها حلا للإشكالية المطروحة، فدعونا نطبق هذه الفرضية على هذين الحديثين.
إن الحديث الأول الذي ورد فيه  (فوجد اليهود يصومون...) ذكر فيه ابن عباس أن السائل هو النبي (صلى الله عليه وسلم) والمجيبون هم اليهود، وهذا واضح في جميع الروايات المختلفة للحديث، فالسائل كان هو النبي والمجيبون هم اليهود.
أما الحديث الثاني (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) فذكر فيه ابن عباس أن السائلين والمستفسرين هم الصحابة والمجيب هو النبي (صلى الله عليه وسلم)
إذا ماذا يقول لنا اختلاف السائل والمجيب في الحديثين؟ لماذا النبي في الحديث الأول هو السائل واليهود هم المجيبون، ولماذا النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الثاني هو المسؤول والصحابة هم السائلون؟ إن الجواب على هذا السؤال هو الجواب على الإشكالية، والجواب على السؤال كالتالي:
 إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما سأل اليهود وبينوا له السبب، ثم أمر النبي بعد ذلك بصيام عاشوراء، كان الأمر طبييعا بالنسبة للصحابة، فالأمر كان في بداية الهجرة وفي السنة الأولى منها، واليهود لم ينقضوا العهد بعد، ولم يجلوا من المدينة ولم يصبح بينهم وبين المسلمين حروبا طاحنة، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) في تلك الفترة يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيئ كما جاء ذلك في البخاري، إذا الأمر في هذه اللحظة لم يثر قلق الصحابة ولا تساؤلاتهم الكثيرة ولم يروا فيه تناقضا بين المنهج النبوي الذي اتبعه بعد ذلك في المخالفة الكثيرة لأهل الكتاب، ولذلك نجد أنه في هذه المراحل كان صيام عاشوراء العاشر فقط ولم يتحدث النبي (صلى الله عليه وسلم) عن التاسوعاء،  ولكن بعد فرض رمضان وطرد اليهود من المدينة، وحصول الحروب، وأصبح النبي (صلى الله عليه وسلم) يحب مخالفة أهل الكتاب، وصار هناك أحاديث كثيرة في التحذير من اتباعهم، وأمر بمخالفتهم في أشياء كثيرة، وعرف الصحابة ذلك عنه وقدعرفوا أيضا العداوة الشديدة لليهود تجاه المسلمين، فمن هناك جاء الصحابة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقالوا: (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)
فقول الصحابة للنبي (صلى الله عليه وسلم) (إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى) لا شك أن هذا من باب الإلحاح والإخبار المصاحب بالقلق وعدم الإرتياح وإظهار لرغبتهم الجامحة في مخالفة اليهود في صيام عاشوراء، وإلا لا يعقل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان هو الوحيد الذي لم يكن يعرف أن اليهود يصومون يوم عاشواء، وبقية الصحابة يعرفون ذلك.
وبهذا يزول الإشكال بين الحديثين إن شاء الله، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

4 comments:

  1. الله يبارك فيك وبسطك فى العلم

    ReplyDelete
  2. آمين ولك يا أخي الحبيب.

    ReplyDelete
  3. سلام یا حبیبی فی الله! شکرا جزیلا: سوالی هو عن هذه القطة من الحدیث(إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) فی اي مصدر من مصادر الیهود او النصاری ندرک احیاء او تعظیم هذا الیوم عندهم ؟لاننا نراهم یحتفلون بکثیر من اعیادهم اما العاشوراء فلا. وکیف نحلل ذلک؟ ولا تنسی المصادر وشکرا مرة ثانیة.

    ReplyDelete
    Replies
    1. الأحاديث في هذا الباب تأتي مقتصرة على ذكر اليهود فقط، فإذا ثبت أن النصارى أيضا أو بعضهم يعظمون هذا اليوم، أو كانوا يعظمونه، فهذا هو المذكور في هذه الرواية، أما إذا لم يثبت شيء من هذا، فإن إضافة كلمة (النصارى) في هذه الرواية تعتبر تصرفًا من بعض الرواة، فيكون المعتمد هو ما جاءت به الرروايات الأخرى

      Delete