Friday, July 25, 2014

هكذا حدثتي صفحتي

عندما أفتح صفحتي فيسبوكية، تتغير أحاسيسي ومشاعري في كل لحظة، لحظة أمرّ بكلام جميل من عاقل لبيب، ومرة بكلام ساقط من غبي بليد، ومرة بصورة جميلة تسر الناظرين، ومرة بصورة قبيحة تسودّ منها الوجوه، ومرة بخبر مبك، وأخرى بخبر مفرح. 

ولا أزال أستمر في سحب الماوس إلى الأسفل فأرى رجلا أختلف معه في الرأي كليا وآخر أتفق معه تماما وثالثا أتفاهم معه جزئيا، وأستمر فأرى شخصا يلعن رجلا أحبه، وآخر يمدحه حتى يكاد يؤلهّه، ثم أرى خبرا عن السياسة ورجالات السلطة فأجد زميلا يعارض وآخر يؤيد.
وحينما أصل إلى منشورات لمشاهير أجد لأحدهم ثلاثة آلاف اعجاب في عشر دقائق، ثم أر منشورا رائعا لواحد مغمور فلا أر له إلا عشرة إعجابات، مع أن منشور المغمور قد يكون أجمل من منشور المشهور.
وحينما أستمر في السحب والإنزال، أرى أن فلانا ينشر آيات قرآنية وآخر يبث آيات شيطانية، وأجد فلانة لا تتورع عن نشر صورها الخليعة الماجنة مع أن أخرى لا تنشر حتى صورتها المحتشمة المحجبة، وثالثة تنشر صورها مع خمارها وثوبها المحتشم، فأستمر فأجد صورة زميل قديم في الطفولة وآخر تعرفت عليه حديثا، ويكون بين هذا وذاك كيلو مترات وآلاف من الأميال، ولكن يجمعهما لي في لحظة واحدة صفحتي فيسبوكية.
وعندما أكتب منشورا أجد فلانا يمدح بإطلاق وفلانا ينتقد بإطلاق، وآخر يرى بعضه ولا يروق له آخر، وفلانا يرى أنه لا يحتاج إلى قراءته وفلانا يقرأ ولا يعلق، وفلانا قد يشجع ويرى أن أمثالي من الشباب يحتاجون إلى التشجيع، وفلانا قد يرى أن أمثالي من المتعالمين الذين لا يجوز تشجيعهم ومدحهم حتى لا يغتروا.
حقا إن صفحتي تؤكد لي دائما أن الله خلقنا مختلفين، ونحيا مختلفين، وسنموت مختلفين (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.

Tuesday, July 15, 2014

كيف يمكن أن تلتحق الأمة المتخلفة بالأمة المتقدمة؟

يحاول المتخلفون من الأمم والجماعات والشركات والدول والأشخاص الإلتحاق بالمتقدمين، وفي هذه الأسطر القادمة سأحاول أن أنظّر كيف يمكن للمتخلف أن يلتحق بالمتقدم، بل كيف يمكن أن يجاوزه ويخلق بينهما مسافات طويلة.  ومع أنني ركزت على الأمة الإسلامية في آخر المقالة إلا أن هذا التنظير أو هذه الطريقة تنطبق على الشركات والبنوك والدول والأنظمة والأفراد العاديين.
في الحقيقة هناك طريقان فقط للمتخلف للإلتحاق بالمتقدم، إما أن يتبع نفس الطريق الذي سلكه المتقدم ليلتحق به، أو يبدع فيشق طريقا آخر، وبالمقارنة بين الطريقين نصل إلى النتيجية التالية:

أولا: سلوك نفس الطريق الذي سلكه المتقدم
إن هذا الطريق قد يبدو أنه الأريح والأسهل والأوضح، ولكن في نظرنا  طريق محفوف بمخاطر كبيرة، بل إن الإحتمال الكبير أن المتخلف قد لا يصل إلى المتقدم أبدا إذا استمر في اتباع هذا النهج، وذلك للأسباب التالية:
 أن المتخلف قد لا يتوافر عنده نفس العتاد والمعدات والأجهزة والمكونات والطاقة والجهد والذكاء الذي كان متوفرا عند  المتقدم، وبالتالي فإن الأمر يكون شاقا وعسيرا وقد لا يصل إلى النهاية.
أو قد تكون المعدات والطاقة والجهد متوفرا ولكن المتقدم قد يقوم بسد الطريق حتى لا يلتحق به المتخلف، وبالتالي فإن المتقدم سيبني منظومة فكرية وسياسية وعلمية وامبرالية تهدم كل محاولات اللإلتحاق الذي يقوم به المتخلف للوصول لنفس الهدف.
 وقد يكون الطريق ممهدا بالورود والأزهار ولكنه طريق قد يصطدم مع مبادئ أخرى عند المتخلف، وهذه المبادئ قد تكون دينية أو ثقافية أو اجتماعية وغيرها وبالتالي فيكون له خياران:
التخلي عن دينه وهويته اللغوية والثقافية الإجتماعية الأخرى، أو سلوك الطريق لكن عندما يصل يجد أنه قد تخلى عن كل شيئ إلا سلوك الطريق وبالتالي فعندما يصل يكون عارا عن كل شيئ إلا مبادئ المتقدم وفلسفته وعقليته وبالتالي فإنه لم يصبح شيئا بذاته وإنما فقط نسخة طبق المتقدم.

وأخيرا فإن الذي يلتحق بنفس الطريق قد لا يصل إلى المتقدم أبدا، إلا إذا توقف المتقدم عن المشي والإستمرار، أما في حين استمراره في ايدلوجياته ونظرياته وتمهيده للطريق الممتدة فإن المتخلف لن يصل إليه، لأنه بقدر ما يقطع المتخلف من مسافات للحوق بالمتقدم بقدر ما يقطع المتقدم من مسافات للوصول إلى مرحلة متقدمة، وهذا ببساطة يعني بقاء المتخلف متخلفا والمتقدم متقدما.

ثانيا: اختراع طريق جديد للإلتحاق بالمتقدم
وهذا الطريق قد يبدو صعبا ووعرا ومليئا بالتحديات والعراقيل، ولكننا نرى أنه الطريق الوحيد الذي يضمن للمتخلق للحوق بالمتقدم، وذلك لأسباب التالية:
منها الإضطراب والقلق والزعزة التي تصيب المتقدم أمام هذه الطريقة الجديدة لأنه لم يجربها ولم بختبرها ولم يعرف عنها من قبل، وبالتالي فإن الأسلحة والمعدات التي يضعها أمام فشل هذا الطريق ستبوء عاجلا أو آجلا بالفشل.
ومنها الإستقلالية والحرية وعلو الذات والثقة بالنفس التي ستمتلأ بها نفس المتخلف عندما يبدأ في طريقه الجديد للحوق بالمتقدم، فهذا الطريق طريقه فهو ليس مقلدا فيه بل هو مبدع مخترع.
وكذلك فإن هذا الطريق أضمن للمتخلف للحوق بالمتقدم، لأنه قد يكون أقصر للوصول إلى الهدف وبالتالي فقد يسبق المتخلف المتقدم للوصول إليه،  ومثال ذلك إذا كان شخص قدا اعتاد السفر من كوناكري إلى مالي عن طريق ساحل العاج مثلا، ولم تقلده بل اجتهدت فاخترعت طريقا آخر من غينيا إلى مالي مباشرة فقد تصل قبله، مع أنه خرج قبلك.
ومنها أن هذا الطريق يسلكه المتخلف مع إحتفاظه بمبادئه وهوياته وثقافته، فهو قبل أن يسلك الطريق يحاول سلوك الطريق الذي لا يستدعي انسلاخه من دينه وأفكاره ومعتقداته وايدوجياته وبالتالي فحينما يصل إلى الهدف يصل فعلا وهو نفس الشخص ونفس الشخصية دون أن يصبح نسخة طبق المتقدم، فالذي سيتغير فقط هو انتقاله من كونه متخلفا إلى كونه متقدما حقيقة.
ومنها أنه حتى في الوقت الذي لم يلتحق فيه المتخلف بالمتقدم ولكنه يحاول شق طريقه الجديد فإن المتقدم سيبقى محترما له خائفا منه متحيرا أمامه، وسيعرف أن هذا المنافس شرس مقدام ولوج، ولا يستبعد أنه سيصل إليه يوما من الأيام.
ومنها أن هذا الطريق قد يكون أرخص اقتصاديا وغير مكلف من الناحية المادية كثيرا، فالمتخلف عندما يخترع طريقه الجديد فإنه يقدر حجم قدراته المادية والإقتصادية ولا يحتاج إلى واسطات وبضائع تقليدية وسماسرة من جماعة المتقدمين، بل هذا الطريق بديع وجميل وجديد وبالتالي قد يكون أرخص بكثير.

بيت القصيد
وفي الحقيقة فاختراع طريق جديد للحوق بالمتقدم والمنافس والخصم قد يبدو صعبا ومكلفا، وقد يحتاج إلى عقول وعباقرة أفذاذ، ويحتاج إلى صبر وتفان وحلم وجهاد، ويحتاج إلى تشجيع وتنظيم واستمرارية، ولهذا كله فإن هناك أشخاصا وشركات ودول وجماعات وأنظمة وأمما لم تستطيعوا توافر هذه الشروط  ففضلوا الطريق الأول فبقوا متخلفين ساقطين منهارين، وهكذا لن تقوم لهم قائمة ولن تربح لهم تجارة و لن تنهض لهم دولة.

وبسبب صعوبة هذا الطريق وخطورة سلوكه فإن الله لم يترك الأمة الإسلامية والمحمدية هكذا بدون أن يخطط لهم هذا الطريق ويرشدهم إليه ويبينه لهم، فقد رسم الرب عز وجل قواعده وضوابطه ومعالمه، وبين أصوله وأركانه وزواياه، فبقي على الأمة أخذ المعدات والتجهيزات ثم البدء في سلوك الطريق الواضح البين، وهو الطريق الأقصر والأضمن والأثبت والأقوى، فبسلوك هذا الطريق فإن الأمة لن تلحق بالمتقدمين فقط بل ستتجاوزهم  بآلاف كيلو مترات بل مليون أميال.
قال تعالى : ( وأن هذا طراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)  ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض...)  ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) ( لن يضروكم إلا أذى)

ملاحظة أخيرة:

نحن عندما ندعو إلى اختراع طريق جديد للإلتحاق، فلا يعني هذا بحال من الأحوال أننا نرفض الإستعانة ببعض المعدات والأجهزة والآليات والآلات والوسائل التي استخدمها المتقدم، ولكننا نرفض جملة وتفصيلا بناء تنافسنا ولحوقنا على نفس المبادئ والأصول والأركان والمعتقدات والفلسفات والأيدلوجيات التي بنى عليها الفريق المتقدم مسيرته ورحلته، لأن هذا معناه أننا لن نصل أبدا، أو نصل عراة حفاة منسخلين.

Friday, July 4, 2014

لا تحكم على الناس بمظاهرهم فقط


 
قبل شهور رأيت شخصا يحاول ارتكاب معصية كانت غاية في الشناعة والقبح فاشمأززت من الرجل وأصبحت أحمل عنه طابع الفسق والمجون، وللمفاجأة رأيت نفس الشخص اليوم وهو يقوم بالتصدق على مسكين غريب في مكان منعزل بمبلغ ثمين، وقد أعطاه إياه ثم أعرض عنه بسرعة حتى لا يراه الناس بأنه يقوم بمثل هذا المعروف، فتذكرت ساعتها قول النبي (صلى الله عليه وسلم) ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)
وذات يوم صليت خلف إمام في احدى المصليات المكتظة بالتجار والبائعين، فصلى بنا رجل في سكينة ووقار، وقراءته كانت غاية في روعة الصوت وجماله، وكمال الأداء وإتقانه، لا يبخس الركوع حقه ولا السجود مكياله  ولا التحيات ميزانها، فلما انصرفنا من الصلاة وكنت أتجول في السوق التقيت به في المصعد فسألته متعجبا هل أنت الذي صليت بنا المغرب، قال: نعم. والسبب من السؤال هو:
أن الرجل لم يكن واضحا من مظهره أنه من أهل الصلاة، فضلا من كونه يتقن الفاتحة فضلا  أنه من أهل إقامة الصلاة الذين يؤدونها في سكينة ووقار ووفاء بحق القراءة والتجويد.
وأتذكر جيدا أنه في السنوات الأولى من مجيئي إلى ماليزيا  جمعني وشخص حق الجوار في السكن، كانت غرفته ملاصقة لغرفتي، الرجل كان سكيتا، لا يختلط بالناس كثيرا وقلما تراه في الصفوف الأمامية في المساجد، أو تراه في الأنشطة الدعوية، بل لعل بعض من يراه  قد يعتقد من مظهره أنه إلى أهل الشر أقرب منهم إلى أهل الخير. ولكن لما سكنت بجوار الرجل لا أتذكر أنه مضت ليلة واحدة وإلا وأسمع الأنين والتضرع والصلاة والتهجد في غرفته، يستيقظ غالبا من الساعة الرابعة فيواصل الصلاة والدعاة والتضرع إلى الله إلى الساعة السادسة والنصف حيث يخرج لصلاة الفجر في المصلى المجاور.
إن الحقيقة هي أننا لا نعرف حقائق بعضنا بعضا، والحقيقة أيضا أن أهل الجنة سيتفاجؤون بوجود أشخاص معهم لم يكن يخطر على بالهم أنهم سيجاورونهم هناك لما كانوا يرون عليهم من مظاهر الشر والإبتعاد عن الطاعة، مع أن هؤلاء قد تكون هناك أمور أخرى بينهم وبين الله، لم يطلع عليها أحد، وعندما نقرأ عن المرأة التي دخلت الجنة في كلب، والرجل المجاهد الذي دخل النار للغلول في المغانم، فإننا سنعرف حتما أن هناك مفاجآت كثيرة تتنظر البشرية في يوم الميعاد.

فنسألة الله أن يصلحنا لأيامنا، ويجعلنا ممن يحسن الظن بإخوانه المسلمين. آمين.

Wednesday, July 2, 2014

خواطر قرآنية رمضانية (3) تفكيك الإستراتجية القتالية في آية (إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) (بل ألقو)



لقد قرأت آيات المناورات بين موسى عليه السلام والسحرة وتوقفت عند الإستراتيجيات القتالية التي استخدمها كل واحد منهم تجاه الآخر.
ومن سيناريوهات هذه المناورات التي سيطرت على انتباهي والتي توقفت عندها لأكشف غوامضها وأقف على مكنوناتها، هذا السيناريو المتمثل في قول السحرة لموسى ( إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) وإجابة موسى لهم (بل ألقوا)
الطرح التساؤلي الذي شوش على عقلي يتمثل في الإستفهام التالي:
لماذا اتسم خطاب السحرة هنا بالتواضع والديمقرطية وإسداء حرية الإختيار لموسى، ولم يختاروا ولم يستبدوا بالموقف فيما إذا كانوا هم سيكونون أول الملقين أو آخرهم؟
ولماذا اختار نبي الله موسى أن يكون هو آخر الملقين؟

في الحقيقة لم أجد وقتا للرجوع إلى كتب التفاسير لأقف على ما قاله الجهابذة في تفكيك حيثيات هذا السيناريو،ولعل بعض القراء سيملؤون لي هذا الفراغ.
ولكن- على حال- دعوني أجود بما قالته لي قريحتي:
هناك ثلاثة تحيليلات لتفسير موقف السحرة وديقراطيتهم، وتحليلين لتفسير موقف نبي الله موسى عليه السلام.
أما الثلاثة التي تتعلق بموقف السحرة من إعطائهم الخيار لموسى فهي كالتالي:
الأول: أن المتكبر عندما تملؤه الغطرسة والعنجهية فإنه يتغافل عن الإستراتيجيات ولا يبالي إذا كان هو الأول في السباق أو الأخير، وبالتالي يتساوى عنده الأمرين، ويعتقد أن خصمه المسكين هو الذي يهتم  أن يكون الأول أو الأخير لأنه أضعف منه بكثير، وبالتالي فلا يهمه أن يعطيه الخيار ليختار أحد الأمرين.
وهذا ما قام به السحرة، فالغطرسة كانت قد امتلأتهم، فأعطوا الخيار لموسى ( المسكين) على حد ظنهم الخرافي.
الثاني: أن الأمر قد يكون على عكس الأول، وهو أن السحرة كانت عندهم بقية من الأخلاقيات الإنسانية، وأنهم على رغم كونهم مشركين وسحرة إلا أن بقية الفطرة والأخلاق الإنسانية التي قد توجد عند كل إنسان على مستويات مختلفة حمتلهم على أن يعطوا الخيار لموسى ليختار أن يكون الأول أو الأخير، فموسى هو الذي جاء عندهم وليس معه إلا أخوه، أما هم فقد كانوا أصحاب الدولة والسيادة وأصحاب فرعون، فمن هنا يرون أن يتعاملوا مع موسى على أن السباق ليس فيه أفضلية من هذا الباب، وأنه إذا يريد أن يكون هو الأول أو الأخير فله الخيار في ذلك، فهم متساوون معه في الحلبة، والغلبة سيكون للأقوى.
الثالث: أن الأمر قد يكون من ضروب السيناريوهات الحربية التي تستهدف زرع الخوف والرعب والزعزعة في قلوب الخصوم، فقد ظن السحرة أن إعطاء الخيار لموسى ليكون الأول أو الأخير سيزعزع الثقة واليقين الذي يتمتع به موسى.
بمعنى آخر، عندما تكون في سباق أو خصومة مع شخص، وتظاهرت بثقة فائقة ويقين تام وأنك المنتصر والفائز، وتظاهرت بأنك لا تبالي بالتكتيكات والسيناريوهات الحربية لأنه أضعف بكثير من أن تحتاج إلى كل هذا،  فإن خصمك إذا كان من أصحاب النفوس الضعيفة فإنه سيخاف ويقلق وسيعتقد أن الأمر أكبر من حجمه وأن الخطر محدق به من كل جانب.
ويحتمل أن يكون هذا مما كان السحرة يرمون إليه ، وكأنهم يقولون لموسى عليه الصلاة والسلام، نحن سننتصر سواء كنا أول الملقين أو آخرهم وبالتالي فعليك أن تختار أحدهما، لأنهما سواء عندنا.

أما ما يتعلق باختيار نبي الله موسى ليكون هو الأخير وليس الأول، فإنه قد يحلل في ضوء تفسيرين:
الأول: أنه التواضع، لأنهم ما داموا قد أعطوه هذا الخيار فإنه يحترمهم ويعطيهم الأسبقية والتقدم لبداية المشوار، وكأنه يقول لهم ( ما فيه مشكلة يا قوم. تقدموا، ابدؤوا أنتم، أنا سأكون الأخير)
الثاني: أنه سيناريو من سيناريوهات الحرب حتى يكون الوقع أكثر مفاجأة وأكثر إيلاما لفرعون والسحرة.
وبيان ذلك أنه عندما يكون هناك سباق بين رجلين أو طائفتين، وقام الأول بإطلاق عملياته وانبهر الجميع بذلك، ثم جاء الثاني وتفوق عليه وأظهر أعجوبة أكثر مما قام به الأول، فإن نشوة الفرح وانبهار الجمهور يكون أعلى وأقوى وأكثر فاعلية، أما إذا تقدم الأقوى وتأخر الضعيف فإن ملامع وملامح الإنتصار تفقد شيئا من بريقه وحيويته.
ولهذا لما كان نبي الله موسى عليه السلام واثقا ومتيقنا من الإنتصار الرباني له، اختار أن يكون هو الأخير وليس الأول، وذلك مراعاة لهذه الإستراتيجية القتالية الرائعة.