Monday, October 19, 2015

الفرق بين من فقه الفقه وبين من لم يفقهه




كتب مالك موطأه، وأعجب به أبو جعفر المنصور وأراد أن يحمل عليه الناس جميعا، فقال له الإمام "يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا ، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورددوا روايات ، وأخذ كل قوم مما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم وأن ردهم عما اعتقدوا شديد ، فندع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم . فقال : لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به"
فانظر إلى موقف هذا الإمام الجليل من كتاب ألفه جامعا فيه أقوال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤسس على مذهب أهل المدينة، ومع ذلك رفض إلزام الناس به وفرضه عليهم.
وعلى الدرب نفسه نرى الإمام المطلبي الشافعي يسير، ومن بحره ينهل، فقد قال رحمه الله بعد أن ألف كتبه التي أنارت الدنيا وملأها علما وضياء "لقد ألفت هذه الكتب ولم آل جهدا فيها, ولابد أن يوجد فيها الخطأ, لأن الله تعالى يقول: "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة, فقد رجعت عنه"
ونأتي الآن إلى عالم آخر لم يبلغ شأوهم، ولم يغترف مثل غرفتهم، وليس له من الشهرة والعلم والمكانة ما عندهم، ولكن نجده عندما ألف كتابا في القرن الرابع الهجري، يقول عن الكتاب:
"جميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع.
فاتق الله يا عبد الله! وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة، فعسى الله أن يرد به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته؛ فينجو به.
فاتق الله، وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به، فإنه دين الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب؛ فإنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر، كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها، إلا بصدق النية وإخلاص اليقين، كذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها، فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة؛ فإنه ليس من دين الله في شيء، وزمانك خاصة زمان سوء فاتق الله"
والغريب أنه بعد ذكر هذا الكلام أورد المؤلف بعده حديثا ضعيفا إن لم يكن موضوعا، فقد أورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ((إياكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني)) وغيرها من الأحاديث، بل أورد مسائل عقدية وفقهية غير مجمعة عليها، ومع ذلك شهد على كتابه بأنه الهدى المتبع والصراط المستقيم!!!
رحمهم الله جميعا.

Wednesday, September 9, 2015

نصيحة لإخواننا الطلبة في البلد




من الأخطاء التي يقع فيها بعض اخواننا الطلاب من خريجي الكلية في البلد والذين لم يتسنى لبعضهم فرصة الالتحاق بالجامعات العربية في مرحلة دراستهم لمستوى الليسانس، أن بعضهم يبقى محاولا الالتحاق بالجامعات الخارجية عبر شهاداتهم الثانوية في نفس التخصص الذي تخرجوا به من الكلية في البلد، متخيليين خطأ أن الدراسة في تلك البلدان متفوقة بشكل خيالي على ما درسوه في البلد، وأنهم سيعيشون في عالم مختلف تماما عن العالم الذي يعايشونه الآن، وأن بين مدرسي بلدانهم ومدرسي تلك الجامعات الخارجية مسيرة سبعين ألف خريف، وأن الكتب الدراسية مختلفة اختلاف السماء والأرض ... إلى آخر القائمة المتوهمة!!!
والحقيقة أن هذا وهم بعيد عن الواقع، فالمسافة بين الجامعات الخارجية والداخلية كبيرة طبعا ولكن ليست فضفاضة بهذه الدرجة المتوهمة، فالطالب الذكي المجتهد يستطيع أن يسد هذا الفراغ بطرق مختلفة وخاصة في عصر الثورة المعلوماتية، وقد رأيت من الطلاب الغيينين المتفرنسين والذين كانوا يدرسون في السنة الثانية والثالثة في البلد، لما سنحت لهم فرصة الالتحاق بالجامعات الماليزية جعلوا تلك البرنامج وراءهم ظهريا، ثم بعد سنتين في ماليزيا بدؤوا يتحدثون بلغة الندم والغباوة التي ارتكبوها، وتمنوا لو أنهوا تلك المرحلة الجامعية في البلد ثم واصلوا الدراسات العليا في ماليزيا.
فأنصح اخواني الذين لم يتسنى لهم فرصة الدراسة الخارجية بأمرين:
1-           لا تضيع عمرك كله منتظرا القبول من الخارج، بل التحق بالجامعات والكليات المحلية، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وأنت بمهاراتك وذكائك واجتهادك يمكن أن تتفوق على بعض أولئك الذين تسنى لهم الدراسة الخارجية.
2-           إذا كنت ممن أنهى دراسته في احدى الجامعات المحلية وعندك شهادة الكلية، ولم تزل مصرا على الالتحاق بالخارج فأنصحك أن تقدم الطلب بشهادتك الجامعية لتلتحق بالدراسات العليا في الخارج، فتكفيك مدة سنة واحدة لتتكيف مع البيئة الجديدة التي ستواجهها، وتساعدك البرامج وورشات العمل والدورات وغيرها في ملاحقة السابقين، هذا إن كان في نفس التخصص، أما إذا كنت عازما على تنويع التخصص فلا بأس أن تقدم الطلب في الجامعات الخارجية بشهادتك الثانوية.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى.

Thursday, January 1, 2015

الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله

إذا قيل لك ( كسّر هذا الزجاج) قد تكون العملية سهلة، لأنها لا تتطلب إلا إنهاء الزجاج والقضاء عليه، وهذا قد يتم في طرفة عين، أما إذا قيل لك: احتفظ بهذا الزجاج فلا ينكسر، فإن العمل هنا قد يتطلب مجهودات كبرى، لأن الزجاج نفسه قابل للإنكسار.
والواقع أن أغلب النفوس والفهوم تتوهم أحيانا أن كسر الزجاج هو الذي يمّثل الشجاعة الكبرى، والتضحية العظمى أكثر من إبقائه مع المحافظة عليه من الفساد والدمار والهلاك.
وهذه الأغلوطة والتوهم ينطبق تماما على مفهوم الجهاد بمعنى القتال والمقاتلة والتي قد تنهي الحياة تماما وتقضي على النفس وتخلصك من مسؤولية المحافظة عليها بترك المنكرات وإتيان الأوامر، كما تنطبق تماما على مفهوم الجهاد بمعنى ترك المعاصي مع الإستمرار في الحياة والذي يلزمك أن تحافظ فيها على المأمورات وتجتنب المنهيات مع أن ملهيات الليالي والأيام تجرك إليها جرا.

ومثل هذا الفهم قد تبادر إلى بعض الصحابة عندما كان مفهوم الجهاد لم تكتمل عندهم، وكان في طور التطور والإكتمال، وكانت المهمة المحمدية أن يصحح هذا المفهوم ويعالجه ويقومه، وكانت احدى القضايا التي عالج بها النبي (صلى الله عليه وسلم) مفهوم الجهاد عند الصحابيات المتعطشات إلى الدور الرجالي في الصفوف الأمامية على ساحات القتال هو الحج المبرور، فاقرأ معي هذا الحديث الذي يرويه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ( أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور" فهنا نرى في الخطاب النبوي العقلاني المنطقي تصحيحا لمنطق الجهاد في العقلية النسوية الصحابية، فهو يوجههن أن أفضل الجهاد في حقهن هو الحج المبرور. وهناك ملحظ آخر أدق وأعمق، وهو أن الجواب النبوي للصحابيات تضمن أمرين:

 الإجابة على السؤال الأساسي المطروح منهن، وتصحيح المفهوم النسوي عن الجهاد نفسه. فلاحظ طرحن ( نرى الجهاد أفضل الأعمال) فيبدو أنهن قصدن أن الجهاد ينحصر في القتال فقط، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) أجاب بذكر الأفضل من القتال في حقهن وهو الحج المبرور، وصحح الخطأ المفاهيمي المتبادر من سؤالهن، فقال ( أفضل الجهاد الحج المبرور) فيوجه بشكل غير مباشر العقلية الإسلامية النسائية أن الحج المبرور من أنواع الجهاد وأنه أفضل من القتال في هذه الظروف الخاصة.

وأداء الحج المبرور يمثل الاحتفاظ على الزجاج حتى لا ينكسر، أما القتال فيمثل تكسير الزجاج، فالحج المبرور يتطلب متطلبات كثيرة، منها إخلاص النية، ونظافة النفقة، وأداء الحج على الوصف الهادوي النبوي، وعدم تدنيسه بالرفث والفسوق، أما القتال فيتطلب أمران فقط، النية الصالحة وممارسة العملية القتالية. وخذ مثالا آخر على التصحيح المفاهيمي الجهادي من النبي (صلى الله عليه وسلم) للصحابة وكيف استخدم سيناريو ( بطولية كسر الزجاج وبطولية الاحتفاظ على الزجاج لئلا ينكسر)

فالصحابي الذي جاء إليه يسامحه للمشاركة في الجهاد، فأرشده، وقال له (أحي والداك) فقال نعم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) " ففيهما فجاهد" وهذا الصحابي رضي الله عنه كان يعتقد أن كسر الزجاج أكثر بطولية من الاحتفاظ عليها، فغير النبي (صلى الله عليه وسلم) مفهومه، وأرشده أن الاحتفاظ على الزجاج أو البيضة لئلا تنكسر أصعب وأكثر أهمية وأكبر أجرا.

إن كون النبي (صلى الله عليه وسلم)  يرتب أحيانا القتال في سبيل الله كأفضل الأعمال بعد الإيمان، كما في حديث أبي هريرة أن النبي (صلى عليه وسلم) سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: " جهاد في سبيل الله" قيل: " ثم ماذا؟ قال: " حج مبرور" لا يبرر إطلاقا أن يكون الجهاد هو الأفضل بعد الإيمان في كل الظروف وفي حال كل شخص وفي كل الفترات التي تمر بها الأمة وبكل الأساليب التي تستخدمها بوكو حرام وداعش وغيرهم، إن أفضلية القتال تخضع للمصلحة الشرعية والأممية التي تقدرها العلماء الربانيون، وليس هناك شك أن من الصبيانية الفكرانية أن يكون هناك هوس قتالي عند مجموعات من شباب الأمة دون أن يتقيدوا بالضوابط المصلحية التي تحكم الزمن والأشخاص والآليات وغيرها، فياليت هؤلاء قاموا بالجهاد ضد أنفسهم بأن يلجموها عن أغوائها وضلالاتها ويتقيدوا بالإسلام وضوابطه، ولا يوجهوا سهامهم إلى نحور وصدور المسلمين، فعيشهم في سبيل الله هو الجهاد الأفضل، وليتهم فهموا أن الاحتفاظ بالزجاج أصعب من كسره.



Saturday, September 27, 2014

يأكلون بها ولا يؤمنون بها (المالية الإسلامية)

في مقال له عن شهادات الإستثمار المصري لقناة السويس أشار الدكتور عبد البارى مشعل في معرض رده على بعض أولئك الذين يشتغلون في مجال الصيرفة والمالية الإسلامية والذين برزوا وكأنهم يدافعون عن شهادات الإستثمار بأنها محل خلاف بين العلماء  فقال حفظه الله في حقهم ما نصه ( إن ما يتداوله بعض المنسوبين للمصرفية الإسلامية من أن الفوائد المصرفية فيها خلاف فقهي وأنها ليست من الربا، ويريد أن يستأنس بذلك لجواز صورة متخيلة لهذه الشهادات فهذا نوع من البراجماتية المقيتة، وأطالب هؤلاء بالتخلي عن قبعة المصرفية الإسلامية والتكسب من ورائها، لأننا إذا قلنا بشرعية الفوائد المصرفية فلا داعي لكل البنوك الإسلامية)
وقبل أيام كنت جالسا مع الدكتور عذنان حسن وهو عضو اللجنة الشريعة للأوراق المالية الماليزية فسئل عن منهجية التدرج في الإقتصاد والمالية الإسلامية، وفي معرض جوابه أشار الدكتور بأنه يجب على المالية الإسلامية أن يبدأ الآن في الإرتقاء الآن بشكل تدريجي من مستوى الإقتصاد الجزئي إلى مرحلة  الإقتصاد الكلي ، ثم أردف قائلا بأن الإشكالية الواقعة في الصناعة الآن تكمن في أن العاملين في مجال المالية الإسلامية فريقان:
فريق لا يؤمن بالمالية الإسلامية ولكنه يستفيد منها، فهو لم يتشبع بروحانيتها ولم يشعر بإلهاماتها وإنما قصده الأول والأخير هو الكسب والإستفادة وجني السمعة والمال والفوائد الدنيوية الأخرى، فهؤلاء لا يقلقون على وضع الإقتصاد الإسلامي أو المالية الإسلامية وما يعانيه هذا الصناعة في مرحلة الإقتصاد الجزئي فضلا أن يهتموا بشؤونه الكبرى وقضاياه الكبرى في الإقتصاد الكلي.
وفريق يؤمن بالمالية الإسلامية ويعايشها كقضية في داخله ويستشعر عظمة الله في تصرفاته وأحكامه وأفعاله، فهؤلاء وإن أجازوا بعض التصرفات المالية كشأن مرحلي إلا أن همهم الأول والأخير هو تصفية المعاملات المالية الإسلامية من الشوائب والإرتقاء بها حتى من مستوى الإقتصاد الجزئي إلى الإقتصاد الكلي.
إن تصريحات هذين الخبيرين عن هذه القضية يدل دلالة واضحة بأن الأمر لم يعد خافيا، وأنه يشكل معضلة حقيقية للصيرفة الإسلامية، فهل يمكن أن تتقدم الصناعة دون إخلاص العاملين فيها، وتفانيهم لتقدمها، وإيمانهم الراسخ بجدارتها وجدواها وتشريعاتها وأحكامها!!!
إن فقدان روح المصرفية والإلهام الإيماني الروحاني الإسلامي لدى شريحة من العاملين في هذا المجال قد يكون هو المسؤول عن مشاكل ومعوقات شرعية وقانونية واقتصادية التي تشهدها هذه الصناعة، فالمشكلة في الصانعين وليس في الصناعة نفسها، ويؤكد على تفاقم هذه المشاكل كلها ما جاء في احدى تصريحات الشيخ صالح كامل  لصيحفة الشرق الأوسط حيث قال (المصارف الإسلامية شأنها شأن القضايا العربية والإسلامية كلها لحق بها التفرق والتشرذم والفردية والأنانية والحسد)
وإذا كنا قد وضعنا شهادات مهنية وعلمية لكل الفئات والمؤهلين للعمل في مجال الإقتصاد الإسلامي لتقييم مستواهم العلمي والمهني، فكيف يمكن تخريج شهادات لتقييم مستواهم الأخلاقي والإيماني والروحاني!!!

Tuesday, September 23, 2014

الدرس الإسكتلندي للإنفصاليين الأفارقة

لا أدري هل تابعتم ما جرى في المملكة المتحدة هذه الأيام أم لا؟
طبعا أعتقد أنكم تابعتموه لأنه كان حدثا مهما وعالميا، فاسكتلندا وهي احدى الأجزاء المنضمة إلى بريطانيا لتكوين ما يسمى ( المملكة المتحدة) طالب زعماؤها بإجراء استفتاء شعبي فيما إذا كان الشعب الإسكتلندي ترغب في البقاء في الوحدة أم الإنفصال عنها.
دعوني أذكركم أن تاريخ هذه الوحدة يرجع إلى ما قبل 309 سنة، يعني ثلاثة قرون، واسكتلندا تشكل جزءا مهما من المملكة المتحدة، فالترسانة النووية البريطانية موجودة فيها، والسلاح الجوي البريطاني متمركز أكثرها في استكنلدا، وكذلك فإن الشعب الإسكتلندي يبلغ حوالي 4.1 مليون نسمة، أي ما معدله عشر سكان الممكلة المتحدة.
فلو اختارت اسكتلندا الإنفصال كان هذا يعني أن مكانة بريطانية كقوة عظمى على الصعيد الدولي ستتأثر وتضعف على جميع المستويات، الإقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها، تأثيرات على مكانتها في البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، مجلس الأمن وغيرها، بل إن هيبية بريطانية العظمى وكرامتها التاريخية كانت ستتأثر إلى أبعد الحدود.
لقد طالب راغبوا الإنفصال بالإستفتاء فكان لهم ما أرادوا، فبالمحادثات والمفاوضات والصبر - وليس بالأسلحة والتقاتل - وفر لهم ديفيد كاميرون ما أرادوا، فتم الإستفتاء، وقبل الإستفتاء كانت هناك مفاوضات ونقاشات حول طريقة تقسيم الثروة والموجودات والسياسات التي ستحكم البلدين على كل الأصعدة، مثلا كيف سيكون توزيع الديون، وسياسات الضرائب وتحركات المواطنين بين البلدين إلى العملة المستخدمة بين البلدين. وهكذا تشق هذه الأمم طريقها لحل مشاكلهم في جو هادئ وديمقراطي.
طبعا، بعد تصفية النتائج وإعلانها ظهر أن المصوتين ضد الإنفصال حصلوا على الأغلبية 55% مقابل 45% لصالح الإنفصال.
هل لا حظتم، يعني 45% من الشعب الإسكتلندي يريد الإنفصال، لكن انظروا ماذا حدث بعد النتائج وبعد خسارتهم!! لقد أعلن زعيم المطالبين بالإنفصال عن رضوخه للنتائج، وأنه يحترم إرادة الشعب الإسكتلندي، ولن يرفع أحد من هؤلاء سلاحا ولن يقوم بتفجيرات وإنما سيحترم الجميع حكم الصندوق. وفي المقابل لو كانت الأصوات لصالح الإنفصال فإن بريطانيا العظمى ممثلا في رئيس وزرائها كانت ستقبل بالنتائج وربما لأدى الأمر إلى استقالة ديفيد كاميرون.
إن الواقع الأسكتلندي علمني دروسا:
1-           أن على الحكومات والشعوب الأفريقية احترام إرادة بعضهم بعضا، فللشعوب حق تقرير المصير، وعندما نمنع ذلك الحق فإن العاقبة لا تكون محمودة.
2-            أن على الشعوب الراغبين في الإنفصال أو الحكم الذاتي أو الحصول على حقوق سياسية واقتصادية أخرى محاولة توفير ذلك عبر الوسائل المشروعة وليس عبر الحروب والتفجير والإقتتال.
3-            أن على الدول المتقدمة والكبرى عدم التدخل في شؤون دولنا الداخلية، وعدم محاولاتهم توجيه إرادة الشعوب نحو الإنفصال أو البقاء، فكما أن أحدا لم يتدخل في القضية الإسكتلندية فإن على الدول الأخرى أن تتجنب محاولة تمزيق دولنا بتحريض بعضها على بعض وترغيب بعضنا للإنفصال عن هذه الدولة الأفريقية أو تلك.
4-            أنني قد تعلمت من هذه الواقعة أن الدول الكبرى لا تمتلك حصانة أو عصا سحرية عن المشاكل الكبرى التي تحدق بنا أحيانا، فهذه الدول من المحتمل أن تنقسم إلى دويلات في المستقبل، وهذا ليس مستحيلا في شأن الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو اسبانيا، ومشكلة برشلونة أو استفتاء استكتلندا خير برهان على ذلك.


Friday, August 29, 2014

أنت عبقري ولكن ...!!!

الحقيقة أنك عبقري مبدع ذكي وبارع، ولكنك ترضى بالعراقيل والحواجز لتعترض سبيلك، وتعوق مسيرك، عراقيل قد تعرفها وقد لا تعرفها،  وعليه أقول لك:  من اليوم ومن الآن ومن هذه اللحظة عليك أن تبدأ في التفتيش والبحث عن تلك العراقيل والمعوقات لتسيطر عليها وتزيلها وتمحوها وتقضي عليها.
 قد تكون هذه العراقيل  هي ذاتك ونفسك التي بين جنبيك والتي تقول لك بأنك أدنى من الآخرين، وأنه لا يمكنك أن تأتي بجديد، وأن المجتمع سيتخذك مسخرة حينما تعلن عن آرائك وأفكارك.
وقد تكون هذه العراقيل متمثلة في بعض أصدقائك الذين ينظرون إليك نظرة احتقارية استهتارية، وأنك ولدت بينهم وترعرت معهم فلا يمكن أن يكون الزميل الذي لعب معهم كرة القدم في الصبا أوكان يتناول معهم الشاي والقهوة والعصائر في المجالس الشبابية أو يأكل معهم العصيدة والخبز الجاف مبدعا وعبقريا، هكذا منطقهم، فعليك أن تثور على عقلهم الطفولي الصبياني، فقد تربى النبي مع أبي بكر وعمر ولم يمنعه ذلك أن يكون نبيا رسولا، وهذا ابن تيمية والشاطبي وابن دقيق العيد، وشكسبير وداروين وماركس وآدم سميث كلهم كان لهم أصدقاء تفوقوا عليهم ولم يكن يخطر ببالهم أنهم سيؤثرون في العالم وسيغيرون مجرى التاريخ.


وقد تكون عراقيلك هي مجتمعك الذي تعيش فيه، فهو مجتمع بارد غير متفاعل ولا متعطش للإبداع والإنجاز، فعليك أن تتجاهله وتثور عليه، فغاليلو وسافنوا رولا وجيردانو برنو اخترقوا المجتمع وأعلنوا عن آرائهم صراحة وخالفوا تعاليم الكنيسة ورجال الدين، فأحرق الإثنين ومات غاليلو وحيدا غريبا.

وقد تكون المعوقات هي الحزب والمذهب والإنتماءات الفكرية السائدة في بيئتك، فعليك أن لا تخضع ولا تخاف ولا تركن ولا تستسلم، فابن عبد الوهاب ثار على النمط السائد، وابن حزم تحدى المذهب الحاكم فأحرق  المالكية  كتبه ونفوه من الأرض، واليوم يعد من العباقرة الأفذاذ، وكتبه لا يستغني عنه عالم فقيه، بل – دعني أقول لك- ليس هناك أحد من أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة اليوم إلا وقد اضطهد وعذب وضرب، فقد كان أبو حنيفة يضرب كل يوم مائة وعشر أسواط  بسبب رفض تولي القضاء، وضرب مالك على الملأ بسبب ( ليس على مستكره يمين) وقد اقتيد الشافعي ويده مكبلة بالحديد إلى مجلس هارون الرشيد لإتهامه بالخيانة ضد الدولة العباسية، أما ابن حنبل فقد كان من شأنه ما عرفه القاصي والداني، ويبكي من ذكره الصديق والعدو، فقد علقوه برجيله وبينه وبين الأرض مسافة ذراع ثم ضرب حتى أغمي عليه.


قد تكون هذه العراقيل هي دولتك والنظام الحاكم عندك فلا تخضع له فإذا كنت لا تستطيع تغييره فهاجر وأرض الله واسعة، ولا تقعد هناك فتموت وفي داخلك فكر تنويري، وعقل تجديدي، ومنطق ابداعي، فلا تستسلم وتعيش الحياة العادية فإنه من عاش عاديا مات عاديا، فذواتنا وبعض أصدقائنا ومجتمعاتنا ودولنا قد تكون هي عراقيلنا ومعوقاتنا، فابحث عن أي معوق وثر عليه وهاجمه مهاجمة العاقل الذكي المقدام، وعليك أن تعلم أن أخطر وأعظم وأشد المعوقات هي ذاتك ونفسك وعقلك وضميرك، فغيره وليكن منقطك ( نعم أستطيع، نعم ليس مستحيلا علي، نعم أستطيع ذلك بإذن الله) هكذا ستغير حياتك إلى الأبد وهكذا ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
إن هؤلاء الكبار الذين ذكرت أسماءهم لم يكونوا أذكى الناس في أوقاتهم ولا أعقل الناس في زمانهم، ولكنهم ثاروا على عقلهم وذواتهم، فكان عندهم الثقة بالنفس والإيمان بالمبدأ، وتجاوزوا التقليد والنمطية الروتينية السائدة، فخلدهم التاريخ، أما أصدقاؤهم الذين التزموا السكوت، وركنوا إلى الإتباع ورضوا بالسائد فلم يصبهم من المحن ما أصابهم ولكن التاريخ لم يخلدهم كما أخلدهم، وهكذا فإن الغنم بالغرم، والخراج بالضمان.
 ومن  يتهيب صعود الجبال                  يعش أبد الدهر بين الحفر

Tuesday, August 26, 2014

رسالة إلى أخي الشيعي

أخي الشيعي، أريد منك أن تدقق الفكر في هذه الرسالة وتمعن النظر في هذه السطور التالية.
أخي الشيعي، خليني أسلم لك جدلا بموقفك من تكفير أبو بكر وعمر وعثمان، وأرضى لك فرضا بأن عائشة عدوة الله ورسوله وأنهم في النار، ومع ذلك دعني أسألك سؤالا:

من هو أكفر في نظرك؟ أبو بكر وعمر وعثمان ؟ أم فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف؟  فإذا كان جوابك بأن الآخرين ( فرعون ...) أكفر من الأولين (أبو بكر...) ولا أخالك تقول غير ذلك، فتعال أسألك سؤالا آخر:

هل عرف عن موسى عليه السلام أنه أفنى عمره في لعن فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم وموتهم وذهابهم؟
هل عرف عن النبي (صلى الله عليه وسلم)  في خطبه وفي سجاداته وركعاته أنه كان يدعو على أبي جهل وأمية بن خلف وصناديد الكفر بعد مقتلهم في بدر وفي المعارك الإسلامية الأخرى؟ وهم الذين آذوه وقاتلوه وأخرجوه هو وأصحابه من ديارهم ودمروا ممتلكاتهم؟

كم مرة كرر نبي الله موسى اسم فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم؟ وكم مرة دعا بني اسرائيل إلى حفلات اللعن والسب والشتم لفرعون وهامان وقارون؟  كم مرة تمنى موسى وهارون أن يأتيا إلى قبر هامان وقارون ليلعناهما ويضرما على قبرهما النيران، وكم مرة ذهبا إلى جثة فرعون ليبصقا عليه ويلعناه؟؟

ذكرني – من فضلك يا أخي الشيعي- كم مرة جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى قبر أبي جهل وأمية وغيرهما ليلعنهم ويبصق عليهم؟ من هو الصحابي الذي لما أراد الدخول في الإسلام قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) قل أشهد أن لا إلا إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأشهد أن أبا جهل وأمية وفرعون وهامان وقارون في النار؟؟
كم مرة دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى إحياء يوم قتل بعض أصحابه على يد الكفرة والطغاة حتى يلعنوهم ويسبوهم ويشتموهم؟

أخي الشيعي: إذا كانت الرسل لم يتخذوا سب أموات الكفر ولعن صناديق الضلال دينا وقربة وعبادة، فكيف اتخذتم أنتم سب أصهار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دينا وقربة وعبادة؟

كيف أصبح بعضكم يلقن من يدخل في الإسلام بأن يشهد أن أبا بكر في النار، وعمر في النار وعثمان في النار؟ مع أن موسى لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن فرعون في النار؟ والنبي محمد لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن أبا جهل في النار؟!!!

ألم تعلم يا أخي الشيعي أنه ليس هناك شريعة إلهية كان هدفها الأساسي بغض أشخاص بعينهم ولعنهم وسبهم، وإنما شريعة الله كلها من لدن آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) بنيت على حب الله ورسوله، وعبادة رب العالمين وعدم الإشراك به، والدعوة إلى صراطه المستقيم، وليست مبنية على اتخاذ لعن بعض الأشخاص بأعينهم قربة وعبادة يتكرر في الصلوات والعبادات والمناسبات؟

إن دين الله – يا أخي الشيعي- لم يبن يوما من الأيام على لعن فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف ويصبح ذلك ديدنا وشريعة وطقوسا للتوابين والمعتنقين!!! فكيف بنيتم أنتم عقيدتكم على لعن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى لعن زوجاته الطاهرات!!!

فيا أخي الشيعي: راجع نفسك وضميرك وعقلك، وأعدك بأنك إن فعلت ذلك ستدرك تماما أن عقيدة صافية طاهرة نبوية إلهية عطرية لا يمكن إطلاقا أن تبنى على السب والشتم والكراهية واللعن لأصهار النبي (صلى الله عليه وسلم) وإنما على العدل والإحسان وحب الخير لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وأزواجه الطاهرات.

وأخيرا أقول لك يا أخي:  أن التفريق بين الممتثلات مخالف للعقل، والجمع بين المختلفات معارض للعدل، ألم تعلم  أن اليهود لما فرقوا بين الأنبياء فآمنوا بموسى وكفروا بعيسى أصبحوا من المغضوب عليهم، ولما آمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد أصبحوا من الضالين، ولما آمن أمة محمد بجميع الأنبياء أصبحوا هادين مهديين، وهكذا يجب أن تكون أمة محمد أيضا في النظر إلى الصحابة، فهم جميعا أصحاب النبي (صلى الله عليهم وسلم) لا يكفرونهم ولا يسبونهم، بل يحبونهم جميعا ويدعون لهم، فلا يكونوا مثل النواصب الذين يعادون عليا رضي الله عنه، ولا يكونوا روافض الذين يعادون أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضوان الله عليهم، بل يحبوهم جميعا. نعم إنهم يؤمنون أن بعض الصحابة أفضل من بعض، وأن بعضهم أخطؤوا في بعض الأمور وأن منهم ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله، ولكنهم يدركون تماما أنهم هم الذين نزل فيهم قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها)

أخي الشيعي : أتمنى لنا جميعا التوفيق والسداد والهداية والثبات على صراطه المستقيم.