Saturday, March 23, 2013

الأفارقة ووهم الرمزية






قبل خمس سنوات ترشح شاب وسيم قانوني للسباق الرئاسي إلى البيت الأبيض الأمريكي، كان الأول من نوعه في تاريخ الديمقراطية الغربية، جده اشتغل طباخا للجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، وأبوه حصل على منحة دراسية إلى الولايات المتحدة ليدرس في أروقة أرقى جامعاتها، ثم يلتقي بأمه ويتزوجان فينجبان طفلا ذا عرق إسلامي أفريقي كيني يتربع على عرش البيض الأبيض فيما بعد.
دهش العالم من وقع الحدث، وذهلت البشرية من عظمة الديمقراطية الأمريكية، وصفق الجميع للناخب الأمريكي على تجرده واخلاصه لبلده، لكن بعض إخواننا الأفارقة كان عندهم تصور وهمي آخر عن الموضوع، لقد خيل إلى بعضهم أن هذا هو نهاية العنصرية ضد اللون الأسود في العالم، وأنه ميلاد عصر جديد في تاريخ الأفارقة، وأن الإنسان الأسود صار سيد البشرية، وأن الرئيس الأمريكي الأسود سيغير وجه التاريخ الأفريقي، وسيضع حدا لمعاناة أصحاب البشرة السوداء. والآن وبعد خمس سنوات من رئاسته، أدرك هؤلاء حقيقة الأمر، ووقفوا على الواقع عن قرب، وعرفوا مدى المبالغة والتخيل والوهم الذي وقعوا فيه.
قبل ثلاث سنوات أقيمت في جنوب أفريقيا منافسات كأس العالم لكرة القدم، كانت الأولى من نوعها في القارة السمراء منذ إنشاء تلك البطولات الدولية عام 1930م، أعطت انطباعات لبعض الشباب أن فترة التمييز والأفضلية في عالم الكرة قد اختفت عن الساحة، وأن احتكار القارة العجوزة لتلك اللعبة قد ولت، واعتقدوا أن أفريقيا أصبحت قارة المنافسات الدولية، ولم يدركوا أن المشهد يصعب تكرره في أي دولة أخرى من دول أفريقيا جنوب الصحراء، لأنها تفتقد إلى المعايير اللائقة لإيواء تلك الحفلة العالمية.
قبل شهر استقال البابا الكاثوليكي، فضجت وسائل الإعلام وبدأت تطرح أسئلة وتقيم نقاشات عن أبرز المرشحين لخلافة بنديكتوس السادس عشر على العرش البابوي، فلمعت ثلاثة أسماء أفريقية من الكرادلة الموجودين في روما، وهم النيجري John Olorunfemi والغاني Pete Turkson والغيني Robert Sarah
لقد صلى آلاف الأفارقة ودعوا وصاحوا وصرخوا في الصحف والإذاعات وعلى المواقع الاجتماعية والإخبارية على أن يكون البابا القادم من أفريقيا، لم يكن الطامعين في ذلك من المسيحين فقط بل حتى المسلمين الأفارقة أيضا. لقد قرأت واستمعت إلى تعليقات كثيرة من المشاركين عبر إذاعة فرنسا العالمية، وعلى صفحات مواقع نيجرية وغينية وغانية، ورأيت أسماء إسلامية عديدة يعبرون عن تمنياتهم بأن يكون البابا القادم من القارة السمراء. أدرك تماما أن هؤلاء المسلمين ليس قصدهم الانسلاخ من دينهم وعقيدتهم، ولا الانسياق وراء الزعامة البابوية، ولكنه الانجراف وراء الرمزية الأفريقية، وحب التباهي بالقيادة الأفريقية ليس على مستوى الفكر والإنتاج ولكن على مستوى الرموز والأشخاص.
وعندما ننتقل من المستوى العالمي إلى المستوى القاري والمحلي، نجد أن الرمزية والمظهرية تفتك بالأفريقي أكثر من أي شيء آخر، فبسبب المظهرية والرمزية يفضل أكثرنا القيادات والسياسيين من قبيلتنا في دولنا على السياسي والقيادي الآخر من القبيلة الأخرى وإن كنا نؤمن في قرارة أنفسنا أن الآخر هو الأفضل أداء والأكثر أمانة والأحسن إدارة.
وبسبب الرمزية والمظهرية نتغافل عن حقوقنا ولا يوجد لها رسوخ متين في ضمائرنا وعقولنا. أتساءل أحيانا ما هذا الشيء الذي يحدث لنا في كل فترة انتخابية؟!! رجل يقضي عشرين عاما على هرم الدولة، لا يوفر كهرباء ولا ماء ولا طرق، وعندما تفتح الدولة أبوابها للانتخابات ننخدع بالكهربائيات الانتخابية التي توفرها الحكومة في تلك الأيام المعدودة ثم إذا ولت الانتخابات ولى الكهرباء، ويتكرر نفس المشهد في الانتخابات الأخرى التي تليها ثم ننخدع مرة أخرى، وكأننا لم نسمع أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. إنه مرض الرمزية والمظهرية التي تطّبعنا عليها حتى صارب طبعا.
لا أريد هنا أن يفهمني أحد خطأ، فأنا ولا شك لا أدعو إلى إلغاء الرمزية ولا إنكارها من أصلها، فهي طبيعة إنسانية جبلنا عليها، فكلنا نفرح عندما نسمع عن جدنا الأسود بلال بن رباح بأنه كان مؤذن سيد الخلق، وكلنا نسر عندما نقرأ بأن الهجرة الأولى للمسلمين كانت إلى أفريقيا، وكلنا نبتهج بوصول الرجل الأسود إلى البيت الأبيض، وجميعنا ينشرح عندما يفوز منتخب أفريقي على نظيره الأوروبي، ولا شك أنه لا يفرحنا كثيرا عندما نسمع كلمات تطلق بدافع العنصرية أحيانا بأنه لم يكن هناك نبي من أفريقيا، أو حينما نقرأ عن الإمام القاضي المحدث الأفريقي، الشهير في أسانيد الحديث ب ( عبد الرحمن الأفريقي) بأنه ضعيف (وهو ضعيف حقا لسوء حفظه)، أو حينما نقلب الطرف يمنة ويسرة فنجد التمييز ضد الأفارقة هنا وهناك. إنني أحب الرموز وأحترمهم وأقدرهم، وأدعو إلى تقديرهم والفرح والإشادة بهم.
ولكن الرمزية والمظهرية المستهدفة في هذه المقالة هي تلك التي تتساوى مع السذاجة، إنها الاكتفاء بترديد الأسماء البراقة دون القيام بواجب المسؤولية، وتضخيم أسماء الرجال والأشخاص دون أن يكون من وراء ذلك طائل، إنها الاعتقاد بأن مجرد وصول الرجل الأسود إلى البيت الأبيض ستقضي على معاناة الأفارقة الكثيرة، وهي الولع بحب الرمزية وإن كانت على حساب الدين والعقيدة كما هو حال الطامعين في انتخاب البابا من أفريقيا دون أن ينتبهوا أن ذلك سيعطي زخما جديدا للمسيحية في القارة السمراء.

 إن ما يجب أن يولع به أبناء القارة ويصفقوا له بحرارة هو الأفكار والإبداعات والإنجازات والتطورات المبنية على الحقائق الثابتة المستمرة، لا على المظاهر الرمزية الآنية الوهمية، ولا على الأسماء اللامعة البراقة التي لا تقدم شيئا للقارة وأهلها غير أسمائها. إن عالمنا يتكون من ثلاثة عوالم، الأشياء، والأشخاص والأفكار. وعندما ننتقل من الأولين إلى الأخير عندها فقط سنلحق بمصاف الدول المتقدمة، فهل نحن فاعلون!!3