Monday, August 11, 2014

من الذي يمثل الإسلام؟

 كثيرا ما يطرح سؤال في العالم الغربي والإسلامي على سواء، يتمثل في التالي: من الذي يمثل الإسلام؟
أهو منظمة التعاون الإسلامي؟ رابطة العالم الإسلامي؟ المجمعان الفقهيان التابعان لهما؟ الأزهر الشريف؟ هيئة كبار العلماء؟ المملكة العربية السعودية؟ إيران؟ القاعدة؟ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية؟ الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟ داعش؟ والقائمة تطول وتطول.
وقبل الإجابة على هذا السؤال أوضح للجميع  أن هذا السؤال قد يلتبس عند كثير من اللذين يطرحونه بسؤال آخر مقارب، وهو: من الذي يمثل المسلمين؟
فعندي أن السؤالين مختلفين جوهريا، فالذي يمثل الإسلام ليس ضروويا أن يكون هو الممثل للمسلين، وفي هذه المقالة سأحاول الإجابة على السؤال الأول ثم أردفه بالجواب على السؤال الثاني في مقالة أخرى إن شاء الله.
وعليه أقول: إن الإسلام هو الشريعة التي أرادها الله لعباده في كل الأزمان والأماكن، من أول الخلق إلى آخرهم (إن الدين عند الله الإسلام) (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما)
وهذه الشريعة التي أرادها لعباده لا يمكنهم فهمها بواسطة الله مباشرة، فليس جميعم بالمستوى الذي يستحق مخاطبة الله لهم مباشرة؟ فالله أعز وأكبر والإنسان أضعف وأرقّ أن يتخاطبا مباشرة في هذه الحياة (وهذا طبعا باستثناء ما حصل لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام).
وإذا كان ذلك كذلك فلا بد إذن من واسطة، يبلغ عن الله شريعته ويبينها لهم، وهذه الواسطة هم الرسل الذين استحقوا التلقي عن الله أحيانا بالمباشرة وتارة بواسطة أخرى بينهم وبين الله ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) ( وكلم الله موسى تكليما)
إذن فالجواب عن سؤال من الذي يمثل الإسلام؟ يكون كالتالي: الممثل للإسلام هو كلمات الله التي أنزلها على عباده بواسطة الرسل، وكذلك تلك الرسل الذين بلغوها عن الله، فكلمات الله في (التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب) هي التي تمثل الإسلام حسب التسلسل الزمني التي أنزل فيها، ولا نحتاج إلى دليل لنبين أن كلمات الله هي التي تمثل الإسلام، لأننا إذا كنا لا نرى الله ولا يكلمنا نحن وليس بينه وبين أحد منا نسب ولا صلة، فإنه ولا شك تكون كلماته التي أنزلها على المصطفين منا هي التي تمثل إرادته التشريعية لنا تجاه دينه الذي اختاره لنا.
أما الدليل على أن الرسل هم أيضا ممثلون للإسلام كما هو الشأن في كلمات الله فهو كالتالي: إذا آمنا بأن الله هو الخالق، وأنه خلقنا لهدف معين ولخدمة معينة، ولا بد أن يبين لنا هذه الخدمة حتى نفهمه عنه، وقد عرفنا أنه لا يبين لنا هذه الخدمة عن طريق المخاطبة المباشرة لنا بل عن وسائط بيننا وبينه، ثم لم نر مخلوقات أخرى تبلّغ لنا هذه الشرائع بل رأينا بشرا من أمثالنا، قالوا لنا: بأن الله قد اختارهم وسطاء بيننا وبينه لتبليغ رسالته إلينا لبيان الهدف والخدمة التي  يجب أن نقوم بها، فرأينا هؤلاء الممثلون والسفراء والرسل أكمل الناس خلقا، وأداهم للأمانة، يدعون إلى مكارم الأخلاق وينهون عن سفاسفها، ورأيناهم  يبذلون في سبيل إبلاغ هذه الرسالة النفس والنفيس، يفرون من بلدانهم وأوطانهم وذويهم، إضافة إلى ذلك  كله جاؤوا بمعجزات يبرهن على صحة دعواتهم والتي تفرق بين دعواتهم ودعوة السحرة والمشعوذين والكذابين، فكان لا بد أن نصدقهم بأن ما أخبرونا بأنه كلام الله هو فعلا كلام الله.
وإذا كان الله لم يختر هؤلاء القوم إلا لنقاء قلوبهم واكتمال عقولهم وتمام أخلاقهم، وأنهم هم الأفضل والأجدر بتبليغ­ هذه الرسالة منا جميعا، فقد عرف الرب عز وجل أنهم لن يخونوا الرسالة ولن يغدروا، ولن يتنازلوا ولن يهابوا، ولن يخالف قولهم فعالهم، وإخبارهم مخبرهم، وسرهم علانيتهم، وأنهم سيطبقون هذه الشريعة كما أنزل وسيبلغوها كما أمروا، كان لا بد أن يكونوا هم ممثلون عن الإسلام أيضا كما هو الشأن في كلام الله التي أنزل إليهم، إذ كيف يصح في الأذهان أن يختار الله لإبلاغ رسالته من لا يوافي حقه ولا يناسب قدره؟!!!
وإذا سلمنا بهذه النتائج فلا بد أن يدخل عنصرا آخر في تمثيل الإسلام وهو: الأفعال والأقوال العبادية والتشريعية من الرسل والأنبياء، أقصد أحاديث الرسل وأقوالهم، وهذا برهانه أننا إذا آمنا بمهمة الأنبياء وأنهم هم الأكمل والأفضل والأعلى بين البشر وأنهم لا يمكن أن يغدروا أو يخونوا ويعصوا ويستمروا في الكبائر أو يصروا على صغائر أو يقروا على خطأ بدون بيان من الوحي، فإذا آمنا بهذه كلها كان لا بد من الإيمان بأن ما ثبت من أقوال هؤلاء القوم وأفعالهم وتقريراتهم التي ليست جبلية أو عادة من العادات الإجتماعية المحضة أنها تمثل الإسلام.
إذا إلى هنا قد اتضح لنا أن البرهان والدليل القطعي يدل على أن هناك ثلاثة ممثلين للإسلام: كلمات الله، رسل الله، أفعال الرسل وأقوالهم التشريعية.
 فيبقي السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا الجواب: لقد عرفنا أن كلمات الله والرسل وأقوالهم وأفعالهم هي الممثلة للإسلام، ولكن لم يعد للرسل وجودـ والقرآن موجود بين دفتي المصحف ولا يستطيع أن يبين لنا بنفسه ماذا أراد الله بهذه الآية وذلك الحكم وهكذا، وحتى لو كانت السنن النبوية وأقواله وأفعاله خير معين لهذا لكن يبقى أن المنقول منه مغشوش بالضعيف والموضوع، وحتى لو صح فقد لا نجزم بالمراد منه  وبتأويله، إذا فمن الذي سيمثل الإسلام بعد الرسل؟؟
نقول جوابا على هذا السؤال: إن الذي يمثل الإسلام بعد الرسل هم العلماء، وهذا على لسان آخر رسل الله محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: (العلماء ورثة الأنبياء)
ومن هنا سينبرى لنا المستمع أو القارئ الكريم ويقول: رويدك يا أخوي، أليست هذه هي المشكلة منذ بداية النقاش، أليست هذه هي جذور المشكلة، فعندما تقول بأن العلماء هم الذين يمثلون الإسلام، فمن هؤلاء العلماء؟ هل هم علماء الحديث أو الفقه أو الأصول أو اللغة، أهم علماء المملكة العربية السعودية أو مصر أو المغرب أو الشام؟ أم هم علماء السلفية، الأشاعرة ، المعتزلة والصوفية؟ أهم علماء القاعدة والإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظة التعاون الإسلامي والأزهر الشريف؟ أم هم متمثلون في القرضاوي  وعلي جمعة وابن ابن باز وأسامة بن لادن ومفتي بوكو حرام؟
فالجواب كالآتي: قطعا هؤلاء العلماء بأسمائهم وأفرادهم ومؤسساتهم لا يمثلون الإسلام، فهم لم يتحدثوا مع الله لا بوحي ولا من وراء حجاب ولا حتى بواسطة جبريل وإنما استمعوا وقرؤوا وحفظوا وتعلموا ما جاء به الرسل عن الله وما وصلهم من أقوال تلك الرسل وأقوالهم، فإن اكتفوا بحفظ هذه الأشياء في صدورهم وقلوبهم أو دونوها في كتبهم ودفاترهم فلا يكون ما جمعوها أكثر مما جاء به الرسل، فليس هناك زيادة، إذ إنهم لم يفعلوا شيئا آخر وإنما اكتفوا بحفظ ما جاء به الرسل.
أما إذا اجتهدوا في فهم ما جاء به الرسل من كلمات الله، وكذلك اجتهدوا في تصحيح وتضعيف ما جاء عن الرسل واجتهدوا في فهم حكمها وإزالة ملابساتها والترجيح بينها، ثم اجتهدوا في إنزالها على الواقع وربطه به، فإنه لا شك أنهم معرضون للخطأ هنا،بل ليس الخطأ فحسب، بل لا نعرف على وجه القطع درجة إخلاصهم وبعدهم عن الشيطان، وعدم اتباع بعضهم للهوى وطلب إرضاء الناس على مرضاة الله، وكذلك لا نعرف المصالح الخفية أو التهديدات المبطنة أو الحالات النفسية والإجتماعية التي قد تحيد بالعالم عن الحق ويميل عنه بقصد أو دون قصد.
وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن نحكم لشخص من الأشخاص أو جماعة من الجماعات أو مؤسسة من المؤسسات أو دولة من الدول أنها تمثل الإسلام، بل إن هؤلاء جميعا يمثلون فهمهم للإسلام الذي قد يصيب تارة ويخفق أخرى، ولكنهم لا يمثلون الإسلام الذي هو دين الله.
وهنا يرد السؤال الآتي من القارئ الكريم،  إذا لماذا قلت في أعلاه بأن العلماء هم ممثلوا الإسلام اليوم، واستدللت بالحديث النبوي (العلماء ورثة الأنبياء)؟
فالجواب أننا نرى أن العلماء يمثلون الإسلام بالنظر إلى جميعهم ومجموعهم، أي أن مجموع العلماء في عصر من العصور هم الممثلون للإسلام، وليس فردا من أفرادهم وإنما جميعهم ومجموعهم، فبجميعم يحفظ هذا الدين، وبجميعهم تتواصل الدعوة الإسلامية حركتها، وبجميعهم تتحقق الوعد ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزٌّ يُعِزُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الإِسْلامَ ، أَوْ ذُلٌّ يُذِلُّ بِهِ الْكُفْرَ)) وأخيرا بجميعهم يحفظ مجموع المسائل الإجماعية أو المعروفة من الدين بالضرورة والتي أجمعت عليها الأمة كلها من بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى يومنا هذا، فبواسطتهم يحتفظ بهذه الإجماعات الثابتة الضرورية، فهذه الكليات الدينية والثوابت القطعية كالقرآن ومحمد والكعبة والصلوات الخمس والحج ورمضان والزكاة والفهم الأولي للجهاد وتحريم الربا وغيرها من الأصول الثابتة الضرورية هي التي من خلالها يمثل مجموع العلماء الإسلام، لأنهم هم الذين يضخون فيها الحركة ويذبون عن حياضها ويحافظون على تذكير الناس بها، وعقد الدروس والمحاضرات ودعوة الناس إليها، وبهذه المسائل يكونون ممثلين للإسلام لأنهم هم المتحدثون باسم هذه الأشياء.
أما ما عدا هذا من اجتهادات أفراد الفقهاء والعلماء في القضايا العبادية المحضة، والبرامج السياسية والجهادية والمشروعات الإقتصادية والبنكية والعلمية والميولات الفكرية والعقائدية وغيرها فإن هذه الأشياء كلها لا تمثل الإسلام، وإنما يمثل فهم هؤلاء للإسلام، وأكثرهم مثابون بأجر فيما أخطؤوا فيه وبأجرين فيما أصابوا فيه، وبهذا الجواب التفصيلي نحقق الكلام في هذه المسألة إن شاء الله.


No comments:

Post a Comment