Sunday, August 10, 2014

القضية ليست هي (ايبولا Ebola)


قبل أسابيع  كنت أستمع إلى أحد الصحافيين الغانيين، وقد سألوه ماذا ينبغي أن تفعله غانا في غضون هذه الأشهر للوقاية من ايبولا؟
فأجاب بنكتة: يجب أن نخرج نحن المواطنون إلى الحدود ونقيم مصليات ومخيمات ونرفع أكفنا ونصلى وندعو الله حتى لا يصلنا هذا المرض. فصدم المخرج، وقال: تقصد مصليات في الحدود؟ قال نعم بالضبط. فانفجر جميع ضيوف البرنامج في الضحك.
إن الصحافي الغاني أوصل رسالته بطريقة رائعة وفكاهية  ولكنها رسالة تصب في عمق المشكلة، فالصحافي بكل بساطة يريد أن يقول بأننا في أفريقيا لم نعتني بالأسباب والوقايات والمزوّدات اللازمة لصد هذه الأوبئة والأمراض، وبالتالي لم يبق لنا إلا اللجوء للتضرع والصلاة لينقذنا رب القدر من هذه الموبقات.
هنا حقيقة طبية نتجاهلها في أفريقيا، وهي أن المشكلة ليست هي حصول الأمراض، فالأمراض قد تقع مهما وصل العلم البشري، ومهما تطور التكنلوجيا والمعدات الطبية ووفرنا طواقم طبية من الطراز الأول، ولكن المشكلة الحقيقية هي فقدان المناعة ضد الأمراض.
ودعوني أوضح هذه النقطة بجلاء: من الواضح أنه لكي يحمي أي فرد نفسه وأسرته أو تحصن أي دولة  مواطنيها من الأمراض أو تخفف وطئتها عنهم، فإنه يجب أن تتوافر المناعتان: المناعة الداخلية والمناعة الخارجية.
فالمناعة الداخلية: هي من العطايات الربانية الممنوحة للبشر، فهي التي تقاوم الأمراض داخل أجسامنا وتحاربها، وبدونها فإن أجسامنا لن تقوى على صد أي مرض مهما كانت ضعفه وقلة خطورته.
أما المناعة الخارجية: فهي موجودة خارج أجسامنا، ويمكن توافرها عن طريق إعتناءنا بالبيئة المحيطة بنا من المياه النظيفة والهواء النقي ، وكذلك عن طريق الإجراءات والقوانين والخدمات والبنى التحتية التي توفرها الحكومات لخلق بيئة طبية ملائمة لصحة المواطنين وسلامتهم وحمايتهم من الأمراض.
وهنا سأهتم بالحديث عن مستوى المناعة الخارجية على مستوى أفريقيا، لأن من الواضح أن سلامة وقوة وحيوية المناعة الداخلية تكون نتيجة لتوافر المناعة الخارجية، فالمناعة الداخلية تتقوى وتزدهر عندما تتوافر بيئة صحية نظيفة للإنسان،  زد على ذلك أن بعض الفيروسات تستطيع أن تجد طريقها داخل الجسم وتتجنب المصادمة مع الجهاز المناعي الداخلي، وبالتالي فليس هناك طريقة لحماية الجسم من هذه الفيروسات إلا عن طريق المناعة الخارجية.
وحينما ننظر إلى واقع المياه المشروبة في أفريقيا نجد أن أغلبها ليست على المستوى المطلوب من ناحية المعايير الطبية والصحية الملائمة، ولا يخفى على أحد ما يتسبب فيه فقدان المياه النظيفة من الأمراض الفتاكة من الملاريا والتيفوئيد والكوليرا والتراخوما وغيرها. وتقول الإحصائيات أنه في كل سنة يموت ما يزيد على مليوني شخص جراء استعمال المياة غير ملائمة، وأن 50%  من المرضى الملازمين للفراش في المستشفيات هم من ضحايا الأمراض الناتجة عن هذه المياه.
أما من ناحية الهواء الملوث فإن منظمة الصحة العالمية تقول بأنه في عام 2012م لاقى نحو  600.000 من الأفارقة حتفهم جراء الهواء الملوث، وتقول المنظمة أن أفريقيا هي ثالث أكبر منطقة تعاني من الهواء الملوث في العالم.
لقد مضى على استقلالنا أكثر من نصف قرن، وخلالها لم تهتم حكوماتنا وقياداتنا بالبنى التحتية الصحية بما فيه الكفاية، ولم نوفر من رأس المال البشري ما يسعفنا لحماية الأسر والنساء والأطفال من الأمراض الفتاكة التي تنجم عن استخدام هذه المياه والهواء الملوث.
إن أمراضا كإيبولا لا تقاومه المليونات التي تنفقه الحكومات صبيحة سماعهم بخبر وصول المرض في عقر دارهم، ولا توقفه الصيحات وإعلان حالات الطوارئ المفاجئة التي تتخذها الحكومات المعنية بعد أن فات الأوان، ولات حين مناص.
بل إن مثل هذه الأمراض تقاوم بالوقاية والأنظمة والإجراءات والأجهزة والبنى التحتية الصحية التي تكون جاهزة وفعالة لسنوات طويلة قبل حدوث مثل هذه الأمراض، وإن شئت فقل أنها تقاوم ب (الضربات الإستباقية) على قاعدة جورج بوش.
الأفارقة سيبقون ضحية كبيرة لمثل هذه الأمراض ما لم نقم بتنظيف شوارعنا وحماماتنا وأسواقنا وبيوتنا من الأوبئة والأوساخ، وما لم تعمل أنظمتنا ومناهجنا الدراسية على تخريج كوادر طبية، وما لم نعالج العجز الموجود في عدد المستشفيات والمصحات والممرضات والأدوية المشروعة، وما لم تكن هناك برامج تعليمية شاملة وورشات عمل ودورات وحلقات تلفزيونية وإذاعية وجمعيات ومنظمات خيرية متطوعة تقوم بتوعية المواطنين وتثقيفهم بالمتطلبات الصحية وتعليمهم بما يجب أن يقوموا به نحو البيئة وكيف يحمون أنفسهم ويتخذون الطرق الوقائية اللازمة للحيلولة دون الوقوع في أخطاء صحية فادحة.

 فالوقاية خير من العلاج.


No comments:

Post a Comment