Sunday, August 17, 2014

نصف الظل والتنعل والحلق والذباب

لقد مدح النبي (صلى الله عليه وسلم ) نصف بعض الأشياء  كأن يكون إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، وصيام نصف الدهر كما هو الشأن في صيام داود، وإشراك غيرك في طعامك ليأكل نصفه، (طعام الواحد يكفي الإثنين) كما عند الطبراني، وكذلك جاء النصف  في القرآن وتردد ذكره كثيرا في آيات المواريث، وقد قال تعالى لنبيه  ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ...) ولا شك أن النصف غالبا يدل على القسط والعدل والعدالة، وهو يكتسب فخره من رباعيته ومصدره، فيقال أنصف الرجل إذا عدل، والإنصاف هو العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وبهذا يكون للنصف جمال وشرعية مكتسبة من هذه المستأنسات الشرعية، ومع ذلك فإن للنصف حديث آخر مع بعض الأمور في الشرع، وقد خطر لي هذا الأمر بشكل تدريجي على مر الأعوام، وإليكم ما يلي:

في أوائل الصبا وفي فترة المراهقة وعند تدرجنا في الطلب إلى أن بدأنا نجث ركبتنا عند بعض المشايخ لتعلم بعض الكتب الشرعية، ككتاب بلوغ المرام الذي جذب انتباهي فيه  الحديث النبوي الذي يقول فيه المعصوم (صلى الله عليه وسلم) (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء) وهو عند إمام المحدثين أبو اسماعيل البخاري.
وهو حديث نبوي صحيح، لم يقدر الشكوكات التي أطلقها بعض الكتاب على زعزعته، بل إن بعض أطباء عصر الحديث توصلوا إلى ما صرح به دلالة هذا الحديث النبوي الإعجازي، وهو يدل على أن نصف الذباب لا ينفع، وأنه لا بد أن تغمسه كله في الإناء حتى يعالج نصفه ما ينتج عن النصف الآخر من أمراض.
ثم دارت الأيام دائرتها وعند الإلتحاق بالسنوات الأولى الإعدادية رأيت أحد مشايخنا في (معهد أبي بكر صديق الإسلامي) -وهو معهد عريق ومعروف في غينيا-  يشدد كثيرا في طرد الطلبة الذين يحلقون نصف رؤوسهم ويتركون النصف الآخر، وفي خضم هذه الوقائع كنا نسمع من الشيخ هذا الحديث النبوي  الذي رواه ابن عمر وهو متفق عليه عند الشيخين (أن رسول الله نهى عن القزع) وقد فسروه بأن يحلق الرجل نصف رأسه - أو بعض  رأسه بالأحرى-  ويترك بعضا.
ثم مرّت الشهور فإذا أنا أطلع على حديث آخر مشابه لهذه الأحاديث المتقدمة، وهو مخرج عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن ( لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا) وهو في البخاري.
واليوم كنت أمر على بعض التغريدات في تويتر ففوجئت بحدث آخر مشابه، وهو مروي عند أبي داود  يقول فيه نبي الرحمة (إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل ، وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني الحديث رقم 838 ورقم 3110

لقد استوقفت عند هذه الأحاديث طويلا، وتدبرت فيها ورأيت كيف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان مهتما بأمته، وكيف كان رحيما بهم، فالملاحظ أن هذا الأحاديث كلها تعالج موضوعات متعلقة بحياتنا الدنيوية.
فحديث الذباب ونصف الظل يعالجان قضية صحية، وكيف يمكن أن نتفادى الأمراض، مع أن حديث نصف الظل يعلل أيضا بأنه من مجالس الشيطان كما ورد في نص الحديث.
أما حديث التنعل والقزع فهما يعالجان مظاهرنا وليقاتنا وجمالنا وكيف يجب أن نظهر أمام المجتمع بمظهر جميل ومحترم.
فمن هنا يتضح لنا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أرحم مخلوق إلى المخلوقين، وأحرص عبد إلى العباد، وعندما يرشدنا إلى هذه الدقائق من تصرفانا وأفعالنا يتضح لنا جليا أنه نبي الرحمة والإنسانية وأنه عبد الله ورسوله.


No comments:

Post a Comment