Saturday, September 27, 2014

يأكلون بها ولا يؤمنون بها (المالية الإسلامية)

في مقال له عن شهادات الإستثمار المصري لقناة السويس أشار الدكتور عبد البارى مشعل في معرض رده على بعض أولئك الذين يشتغلون في مجال الصيرفة والمالية الإسلامية والذين برزوا وكأنهم يدافعون عن شهادات الإستثمار بأنها محل خلاف بين العلماء  فقال حفظه الله في حقهم ما نصه ( إن ما يتداوله بعض المنسوبين للمصرفية الإسلامية من أن الفوائد المصرفية فيها خلاف فقهي وأنها ليست من الربا، ويريد أن يستأنس بذلك لجواز صورة متخيلة لهذه الشهادات فهذا نوع من البراجماتية المقيتة، وأطالب هؤلاء بالتخلي عن قبعة المصرفية الإسلامية والتكسب من ورائها، لأننا إذا قلنا بشرعية الفوائد المصرفية فلا داعي لكل البنوك الإسلامية)
وقبل أيام كنت جالسا مع الدكتور عذنان حسن وهو عضو اللجنة الشريعة للأوراق المالية الماليزية فسئل عن منهجية التدرج في الإقتصاد والمالية الإسلامية، وفي معرض جوابه أشار الدكتور بأنه يجب على المالية الإسلامية أن يبدأ الآن في الإرتقاء الآن بشكل تدريجي من مستوى الإقتصاد الجزئي إلى مرحلة  الإقتصاد الكلي ، ثم أردف قائلا بأن الإشكالية الواقعة في الصناعة الآن تكمن في أن العاملين في مجال المالية الإسلامية فريقان:
فريق لا يؤمن بالمالية الإسلامية ولكنه يستفيد منها، فهو لم يتشبع بروحانيتها ولم يشعر بإلهاماتها وإنما قصده الأول والأخير هو الكسب والإستفادة وجني السمعة والمال والفوائد الدنيوية الأخرى، فهؤلاء لا يقلقون على وضع الإقتصاد الإسلامي أو المالية الإسلامية وما يعانيه هذا الصناعة في مرحلة الإقتصاد الجزئي فضلا أن يهتموا بشؤونه الكبرى وقضاياه الكبرى في الإقتصاد الكلي.
وفريق يؤمن بالمالية الإسلامية ويعايشها كقضية في داخله ويستشعر عظمة الله في تصرفاته وأحكامه وأفعاله، فهؤلاء وإن أجازوا بعض التصرفات المالية كشأن مرحلي إلا أن همهم الأول والأخير هو تصفية المعاملات المالية الإسلامية من الشوائب والإرتقاء بها حتى من مستوى الإقتصاد الجزئي إلى الإقتصاد الكلي.
إن تصريحات هذين الخبيرين عن هذه القضية يدل دلالة واضحة بأن الأمر لم يعد خافيا، وأنه يشكل معضلة حقيقية للصيرفة الإسلامية، فهل يمكن أن تتقدم الصناعة دون إخلاص العاملين فيها، وتفانيهم لتقدمها، وإيمانهم الراسخ بجدارتها وجدواها وتشريعاتها وأحكامها!!!
إن فقدان روح المصرفية والإلهام الإيماني الروحاني الإسلامي لدى شريحة من العاملين في هذا المجال قد يكون هو المسؤول عن مشاكل ومعوقات شرعية وقانونية واقتصادية التي تشهدها هذه الصناعة، فالمشكلة في الصانعين وليس في الصناعة نفسها، ويؤكد على تفاقم هذه المشاكل كلها ما جاء في احدى تصريحات الشيخ صالح كامل  لصيحفة الشرق الأوسط حيث قال (المصارف الإسلامية شأنها شأن القضايا العربية والإسلامية كلها لحق بها التفرق والتشرذم والفردية والأنانية والحسد)
وإذا كنا قد وضعنا شهادات مهنية وعلمية لكل الفئات والمؤهلين للعمل في مجال الإقتصاد الإسلامي لتقييم مستواهم العلمي والمهني، فكيف يمكن تخريج شهادات لتقييم مستواهم الأخلاقي والإيماني والروحاني!!!

Tuesday, September 23, 2014

الدرس الإسكتلندي للإنفصاليين الأفارقة

لا أدري هل تابعتم ما جرى في المملكة المتحدة هذه الأيام أم لا؟
طبعا أعتقد أنكم تابعتموه لأنه كان حدثا مهما وعالميا، فاسكتلندا وهي احدى الأجزاء المنضمة إلى بريطانيا لتكوين ما يسمى ( المملكة المتحدة) طالب زعماؤها بإجراء استفتاء شعبي فيما إذا كان الشعب الإسكتلندي ترغب في البقاء في الوحدة أم الإنفصال عنها.
دعوني أذكركم أن تاريخ هذه الوحدة يرجع إلى ما قبل 309 سنة، يعني ثلاثة قرون، واسكتلندا تشكل جزءا مهما من المملكة المتحدة، فالترسانة النووية البريطانية موجودة فيها، والسلاح الجوي البريطاني متمركز أكثرها في استكنلدا، وكذلك فإن الشعب الإسكتلندي يبلغ حوالي 4.1 مليون نسمة، أي ما معدله عشر سكان الممكلة المتحدة.
فلو اختارت اسكتلندا الإنفصال كان هذا يعني أن مكانة بريطانية كقوة عظمى على الصعيد الدولي ستتأثر وتضعف على جميع المستويات، الإقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها، تأثيرات على مكانتها في البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، مجلس الأمن وغيرها، بل إن هيبية بريطانية العظمى وكرامتها التاريخية كانت ستتأثر إلى أبعد الحدود.
لقد طالب راغبوا الإنفصال بالإستفتاء فكان لهم ما أرادوا، فبالمحادثات والمفاوضات والصبر - وليس بالأسلحة والتقاتل - وفر لهم ديفيد كاميرون ما أرادوا، فتم الإستفتاء، وقبل الإستفتاء كانت هناك مفاوضات ونقاشات حول طريقة تقسيم الثروة والموجودات والسياسات التي ستحكم البلدين على كل الأصعدة، مثلا كيف سيكون توزيع الديون، وسياسات الضرائب وتحركات المواطنين بين البلدين إلى العملة المستخدمة بين البلدين. وهكذا تشق هذه الأمم طريقها لحل مشاكلهم في جو هادئ وديمقراطي.
طبعا، بعد تصفية النتائج وإعلانها ظهر أن المصوتين ضد الإنفصال حصلوا على الأغلبية 55% مقابل 45% لصالح الإنفصال.
هل لا حظتم، يعني 45% من الشعب الإسكتلندي يريد الإنفصال، لكن انظروا ماذا حدث بعد النتائج وبعد خسارتهم!! لقد أعلن زعيم المطالبين بالإنفصال عن رضوخه للنتائج، وأنه يحترم إرادة الشعب الإسكتلندي، ولن يرفع أحد من هؤلاء سلاحا ولن يقوم بتفجيرات وإنما سيحترم الجميع حكم الصندوق. وفي المقابل لو كانت الأصوات لصالح الإنفصال فإن بريطانيا العظمى ممثلا في رئيس وزرائها كانت ستقبل بالنتائج وربما لأدى الأمر إلى استقالة ديفيد كاميرون.
إن الواقع الأسكتلندي علمني دروسا:
1-           أن على الحكومات والشعوب الأفريقية احترام إرادة بعضهم بعضا، فللشعوب حق تقرير المصير، وعندما نمنع ذلك الحق فإن العاقبة لا تكون محمودة.
2-            أن على الشعوب الراغبين في الإنفصال أو الحكم الذاتي أو الحصول على حقوق سياسية واقتصادية أخرى محاولة توفير ذلك عبر الوسائل المشروعة وليس عبر الحروب والتفجير والإقتتال.
3-            أن على الدول المتقدمة والكبرى عدم التدخل في شؤون دولنا الداخلية، وعدم محاولاتهم توجيه إرادة الشعوب نحو الإنفصال أو البقاء، فكما أن أحدا لم يتدخل في القضية الإسكتلندية فإن على الدول الأخرى أن تتجنب محاولة تمزيق دولنا بتحريض بعضها على بعض وترغيب بعضنا للإنفصال عن هذه الدولة الأفريقية أو تلك.
4-            أنني قد تعلمت من هذه الواقعة أن الدول الكبرى لا تمتلك حصانة أو عصا سحرية عن المشاكل الكبرى التي تحدق بنا أحيانا، فهذه الدول من المحتمل أن تنقسم إلى دويلات في المستقبل، وهذا ليس مستحيلا في شأن الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو اسبانيا، ومشكلة برشلونة أو استفتاء استكتلندا خير برهان على ذلك.


Friday, August 29, 2014

أنت عبقري ولكن ...!!!

الحقيقة أنك عبقري مبدع ذكي وبارع، ولكنك ترضى بالعراقيل والحواجز لتعترض سبيلك، وتعوق مسيرك، عراقيل قد تعرفها وقد لا تعرفها،  وعليه أقول لك:  من اليوم ومن الآن ومن هذه اللحظة عليك أن تبدأ في التفتيش والبحث عن تلك العراقيل والمعوقات لتسيطر عليها وتزيلها وتمحوها وتقضي عليها.
 قد تكون هذه العراقيل  هي ذاتك ونفسك التي بين جنبيك والتي تقول لك بأنك أدنى من الآخرين، وأنه لا يمكنك أن تأتي بجديد، وأن المجتمع سيتخذك مسخرة حينما تعلن عن آرائك وأفكارك.
وقد تكون هذه العراقيل متمثلة في بعض أصدقائك الذين ينظرون إليك نظرة احتقارية استهتارية، وأنك ولدت بينهم وترعرت معهم فلا يمكن أن يكون الزميل الذي لعب معهم كرة القدم في الصبا أوكان يتناول معهم الشاي والقهوة والعصائر في المجالس الشبابية أو يأكل معهم العصيدة والخبز الجاف مبدعا وعبقريا، هكذا منطقهم، فعليك أن تثور على عقلهم الطفولي الصبياني، فقد تربى النبي مع أبي بكر وعمر ولم يمنعه ذلك أن يكون نبيا رسولا، وهذا ابن تيمية والشاطبي وابن دقيق العيد، وشكسبير وداروين وماركس وآدم سميث كلهم كان لهم أصدقاء تفوقوا عليهم ولم يكن يخطر ببالهم أنهم سيؤثرون في العالم وسيغيرون مجرى التاريخ.


وقد تكون عراقيلك هي مجتمعك الذي تعيش فيه، فهو مجتمع بارد غير متفاعل ولا متعطش للإبداع والإنجاز، فعليك أن تتجاهله وتثور عليه، فغاليلو وسافنوا رولا وجيردانو برنو اخترقوا المجتمع وأعلنوا عن آرائهم صراحة وخالفوا تعاليم الكنيسة ورجال الدين، فأحرق الإثنين ومات غاليلو وحيدا غريبا.

وقد تكون المعوقات هي الحزب والمذهب والإنتماءات الفكرية السائدة في بيئتك، فعليك أن لا تخضع ولا تخاف ولا تركن ولا تستسلم، فابن عبد الوهاب ثار على النمط السائد، وابن حزم تحدى المذهب الحاكم فأحرق  المالكية  كتبه ونفوه من الأرض، واليوم يعد من العباقرة الأفذاذ، وكتبه لا يستغني عنه عالم فقيه، بل – دعني أقول لك- ليس هناك أحد من أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة اليوم إلا وقد اضطهد وعذب وضرب، فقد كان أبو حنيفة يضرب كل يوم مائة وعشر أسواط  بسبب رفض تولي القضاء، وضرب مالك على الملأ بسبب ( ليس على مستكره يمين) وقد اقتيد الشافعي ويده مكبلة بالحديد إلى مجلس هارون الرشيد لإتهامه بالخيانة ضد الدولة العباسية، أما ابن حنبل فقد كان من شأنه ما عرفه القاصي والداني، ويبكي من ذكره الصديق والعدو، فقد علقوه برجيله وبينه وبين الأرض مسافة ذراع ثم ضرب حتى أغمي عليه.


قد تكون هذه العراقيل هي دولتك والنظام الحاكم عندك فلا تخضع له فإذا كنت لا تستطيع تغييره فهاجر وأرض الله واسعة، ولا تقعد هناك فتموت وفي داخلك فكر تنويري، وعقل تجديدي، ومنطق ابداعي، فلا تستسلم وتعيش الحياة العادية فإنه من عاش عاديا مات عاديا، فذواتنا وبعض أصدقائنا ومجتمعاتنا ودولنا قد تكون هي عراقيلنا ومعوقاتنا، فابحث عن أي معوق وثر عليه وهاجمه مهاجمة العاقل الذكي المقدام، وعليك أن تعلم أن أخطر وأعظم وأشد المعوقات هي ذاتك ونفسك وعقلك وضميرك، فغيره وليكن منقطك ( نعم أستطيع، نعم ليس مستحيلا علي، نعم أستطيع ذلك بإذن الله) هكذا ستغير حياتك إلى الأبد وهكذا ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
إن هؤلاء الكبار الذين ذكرت أسماءهم لم يكونوا أذكى الناس في أوقاتهم ولا أعقل الناس في زمانهم، ولكنهم ثاروا على عقلهم وذواتهم، فكان عندهم الثقة بالنفس والإيمان بالمبدأ، وتجاوزوا التقليد والنمطية الروتينية السائدة، فخلدهم التاريخ، أما أصدقاؤهم الذين التزموا السكوت، وركنوا إلى الإتباع ورضوا بالسائد فلم يصبهم من المحن ما أصابهم ولكن التاريخ لم يخلدهم كما أخلدهم، وهكذا فإن الغنم بالغرم، والخراج بالضمان.
 ومن  يتهيب صعود الجبال                  يعش أبد الدهر بين الحفر

Tuesday, August 26, 2014

رسالة إلى أخي الشيعي

أخي الشيعي، أريد منك أن تدقق الفكر في هذه الرسالة وتمعن النظر في هذه السطور التالية.
أخي الشيعي، خليني أسلم لك جدلا بموقفك من تكفير أبو بكر وعمر وعثمان، وأرضى لك فرضا بأن عائشة عدوة الله ورسوله وأنهم في النار، ومع ذلك دعني أسألك سؤالا:

من هو أكفر في نظرك؟ أبو بكر وعمر وعثمان ؟ أم فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف؟  فإذا كان جوابك بأن الآخرين ( فرعون ...) أكفر من الأولين (أبو بكر...) ولا أخالك تقول غير ذلك، فتعال أسألك سؤالا آخر:

هل عرف عن موسى عليه السلام أنه أفنى عمره في لعن فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم وموتهم وذهابهم؟
هل عرف عن النبي (صلى الله عليه وسلم)  في خطبه وفي سجاداته وركعاته أنه كان يدعو على أبي جهل وأمية بن خلف وصناديد الكفر بعد مقتلهم في بدر وفي المعارك الإسلامية الأخرى؟ وهم الذين آذوه وقاتلوه وأخرجوه هو وأصحابه من ديارهم ودمروا ممتلكاتهم؟

كم مرة كرر نبي الله موسى اسم فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم؟ وكم مرة دعا بني اسرائيل إلى حفلات اللعن والسب والشتم لفرعون وهامان وقارون؟  كم مرة تمنى موسى وهارون أن يأتيا إلى قبر هامان وقارون ليلعناهما ويضرما على قبرهما النيران، وكم مرة ذهبا إلى جثة فرعون ليبصقا عليه ويلعناه؟؟

ذكرني – من فضلك يا أخي الشيعي- كم مرة جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى قبر أبي جهل وأمية وغيرهما ليلعنهم ويبصق عليهم؟ من هو الصحابي الذي لما أراد الدخول في الإسلام قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) قل أشهد أن لا إلا إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأشهد أن أبا جهل وأمية وفرعون وهامان وقارون في النار؟؟
كم مرة دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى إحياء يوم قتل بعض أصحابه على يد الكفرة والطغاة حتى يلعنوهم ويسبوهم ويشتموهم؟

أخي الشيعي: إذا كانت الرسل لم يتخذوا سب أموات الكفر ولعن صناديق الضلال دينا وقربة وعبادة، فكيف اتخذتم أنتم سب أصهار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دينا وقربة وعبادة؟

كيف أصبح بعضكم يلقن من يدخل في الإسلام بأن يشهد أن أبا بكر في النار، وعمر في النار وعثمان في النار؟ مع أن موسى لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن فرعون في النار؟ والنبي محمد لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن أبا جهل في النار؟!!!

ألم تعلم يا أخي الشيعي أنه ليس هناك شريعة إلهية كان هدفها الأساسي بغض أشخاص بعينهم ولعنهم وسبهم، وإنما شريعة الله كلها من لدن آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) بنيت على حب الله ورسوله، وعبادة رب العالمين وعدم الإشراك به، والدعوة إلى صراطه المستقيم، وليست مبنية على اتخاذ لعن بعض الأشخاص بأعينهم قربة وعبادة يتكرر في الصلوات والعبادات والمناسبات؟

إن دين الله – يا أخي الشيعي- لم يبن يوما من الأيام على لعن فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف ويصبح ذلك ديدنا وشريعة وطقوسا للتوابين والمعتنقين!!! فكيف بنيتم أنتم عقيدتكم على لعن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى لعن زوجاته الطاهرات!!!

فيا أخي الشيعي: راجع نفسك وضميرك وعقلك، وأعدك بأنك إن فعلت ذلك ستدرك تماما أن عقيدة صافية طاهرة نبوية إلهية عطرية لا يمكن إطلاقا أن تبنى على السب والشتم والكراهية واللعن لأصهار النبي (صلى الله عليه وسلم) وإنما على العدل والإحسان وحب الخير لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وأزواجه الطاهرات.

وأخيرا أقول لك يا أخي:  أن التفريق بين الممتثلات مخالف للعقل، والجمع بين المختلفات معارض للعدل، ألم تعلم  أن اليهود لما فرقوا بين الأنبياء فآمنوا بموسى وكفروا بعيسى أصبحوا من المغضوب عليهم، ولما آمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد أصبحوا من الضالين، ولما آمن أمة محمد بجميع الأنبياء أصبحوا هادين مهديين، وهكذا يجب أن تكون أمة محمد أيضا في النظر إلى الصحابة، فهم جميعا أصحاب النبي (صلى الله عليهم وسلم) لا يكفرونهم ولا يسبونهم، بل يحبونهم جميعا ويدعون لهم، فلا يكونوا مثل النواصب الذين يعادون عليا رضي الله عنه، ولا يكونوا روافض الذين يعادون أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضوان الله عليهم، بل يحبوهم جميعا. نعم إنهم يؤمنون أن بعض الصحابة أفضل من بعض، وأن بعضهم أخطؤوا في بعض الأمور وأن منهم ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله، ولكنهم يدركون تماما أنهم هم الذين نزل فيهم قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها)

أخي الشيعي : أتمنى لنا جميعا التوفيق والسداد والهداية والثبات على صراطه المستقيم.

Monday, August 25, 2014

رسالة إلى أخي الشيعي

أخي الشيعي، أريد منك أن تدقق الفكر في هذه الرسالة وتمعن النظر في هذه السطور التالية.
أخي الشيعي، خليني أسلم لك جدلا بموقفك من تكفير أبو بكر وعمر وعثمان، وأرضى لك فرضا بأن عائشة عدوة الله ورسوله وأنهم في النار، ومع ذلك دعني أسألك سؤالا:
من هو أكفر في نظرك؟ أبو بكر وعمر وعثمان ؟ أم فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف؟  فإذا كان جوابك بأن الآخرين ( فرعون ...) أكفر من الأولين (أبو بكر...) ولا أخالك تقول غير ذلك، فتعال أسألك سؤالا آخر:
هل عرف عن موسى عليه السلام أنه أفنى عمره في لعن فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم وموتهم وذهابهم؟
هل عرف عن النبي (صلى الله عليه وسلم)  في خطبه وفي سجاداته وركعاته أنه كان يدعو على أبي جهل وأمية بن خلف وصناديد الكفر بعد مقتلهم في بدر وفي المعارك الإسلامية الأخرى؟ وهم الذين آذوه وقاتلوه وأخرجوه هو وأصحابه من ديارهم ودمروا ممتلكاتهم؟
كم مرة كرر نبي الله موسى اسم فرعون وهامان وقارون بعد هلاكم؟ وكم مرة دعا بني اسرائيل إلى حفلات اللعن والسب والشتم لفرعون وهامان وقارون؟  كم مرة تمنى موسى وهارون أن يأتيا إلى قبر هامان وقارون ليلعناهما ويضرما على قبرهما النيران، وكم مرة ذهبا إلى جثة فرعون ليبصقا عليه ويلعناه؟؟
ذكرني – من فضلك يا أخي الشيعي- كم مرة جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى قبر أبي جهل وأمية وغيرهما ليلعنهم ويبصق عليهم؟ من هو الصحابي الذي لما أراد الدخول في الإسلام قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) قل أشهد أن لا إلا إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأشهد أن أبا جهل وأمية وفرعون وهامان وقارون في النار؟؟
كم مرة دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى إحياء يوم قتل بعض أصحابه على يد الكفرة والطغاة حتى يلعنوهم ويسبوهم ويشتموهم؟
أخي الشيعي: إذا كانت الرسل لم يتخذوا سب أموات الكفر ولعن صناديق الضلال دينا وقربة وعبادة، فكيف اتخذتم أنتم سب أصهار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دينا وقربة وعبادة؟
كيف أصبح بعضكم يلقن من يدخل في الإسلام بأن يشهد أن أبا بكر في النار، وعمر في النار وعثمان في النار؟ مع أن موسى لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن فرعون في النار؟ والنبي محمد لم يكن يلقن من يدخل الإسلام أن يشهد أن أبا جهل في النار؟!!!
ألم تعلم يا أخي الشيعي أنه ليس هناك شريعة إلهية كان هدفها الأساسي بغض أشخاص بعينهم ولعنهم وسبهم، وإنما شريعة الله كلها من لدن آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) بنيت على حب الله ورسوله، وعبادة رب العالمين وعدم الإشراك به، والدعوة إلى صراطه المستقيم، وليست مبنية على اتخاذ لعن بعض الأشخاص بأعينهم قربة وعبادة يتكرر في الصلوات والعبادات والمناسبات؟
إن دين الله – يا أخي الشيعي- لم يبن يوما من الأيام على لعن فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأمية بن خلف ويصبح ذلك ديدنا وشريعة وطقوسا للتوابين والمعتنقين!!! فكيف بنيتم أنتم عقيدتكم على لعن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى لعن زوجاته الطاهرات!!!
فيا أخي الشيعي: راجع نفسك وضميرك وعقلك، وأعدك بأنك إن فعلت ذلك ستدرك تماما أن عقيدة صافية طاهرة نبوية إلهية عطرية لا يمكن إطلاقا أن تبنى على السب والشتم والكراهية واللعن لأصهار النبي (صلى الله عليه وسلم) وإنما على العدل والإحسان وحب الخير لمحمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وأزواجه الطاهرات.
وأخيرا أقول لك يا أخي:  أن التفريق بين الممتثلات مخالف للعقل، والجمع بين المختلفات معارض للعدل، ألم تعلم  أن اليهود لما فرقوا بين الأنبياء فآمنوا بموسى وكفروا بعيسى أصبحوا من المغضوب عليهم، ولما آمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد أصبحوا من الضالين، ولما آمن أمة محمد بجميع الأنبياء أصبحوا هادين مهديين، وهكذا يجب أن تكون أمة محمد أيضا في النظر إلى الصحابة، فهم جميعا أصحاب النبي (صلى الله عليهم وسلم) لا يكفرونهم ولا يسبونهم، بل يحبونهم جميعا ويدعون لهم، فلا يكونوا مثل النواصب الذين يعادون عليا رضي الله عنه، ولا يكونوا روافض الذين يعادون أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضوان الله عليهم، بل يحبوهم جميعا. نعم إنهم يؤمنون أن بعض الصحابة أفضل من بعض، وأن بعضهم أخطؤوا في بعض الأمور وأن منهم ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله، ولكنهم يدركون تماما أنهم هم الذين نزل فيهم قوله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها)
أخي الشيعي : أتمنى لنا جميعا التوفيق والسداد والهداية والثبات على صراطه المستقيم.

Friday, August 22, 2014

دارسوا العربية من أفريقيا والإهتمام بالقضايا العربية


 دارسوا العربية من أفريقيا والإهتمام بالقضايا العربية
لا شك أن الأفارقة يعانون شحا كبيرا تجاه الإهتمام بالموضوعات المتعلقة بدولهم وقارتهم وهذا ينطبق على الجميع، ففي أفريقيا نجد أكثر الشباب يناقشون القضايا السياسية  والإقتصادية الأجنبية كالإنتخابات الأمريكية والأوروبية مثلا، وتجدهم ملمين بأسماء الوزراء والنجوم والأبطال هناك وهم لا يعرفون عن دولهم وتاريخهم ما يستحق، وكما قلت هذا ينطبق على كثير، ولكن نصيب دارسي العربية في اهتمامهم بالقضايا العربية قد يساوي نصيب الأسد.

وعلى رغم من هذا فإن بعض دارسي العربية لديهم إفراط في طريقة دعوة الآخرين إلى الإهتمام بالقضايا الأفريقية، فتجدهم لا يفرقون كثيرا بين القضايا الإسلامية والقضايا العربية البحتة،  ويرجع هذا إلى سببين:

الأول:  النفسية الإنتقامية والعنصرية المضادة التي ورثتها عندهم الممارسات العنصرية التي مورست ضدهم من قبل  بعض العرب خلال تواجدهم في احدى دولهم.
الثاني: ضعف قدرته على التمايز بين ما هو عربي بحت، وما هو اسلامي بحت، وما هو عربي اسلامي، فتجده ينكر  على المهتمين بهذه القضايا كلها دون تمييز، بينما قد يكون إنكاره أكثر شرعية لو اكتفى على القسم الأول. أما الإسلامي العربي، أو الإسلامي البحت، فلا يجوز له الإنكار فيه.

ومن الأخطاء التي يقع فيها أكثر الناقمين - وليس كلهم- على القضايا العربية أنهم بدلا من أن يغيروا توجهات الناس من خلال المشاركات والإبداعات والتعليقات الرائعة عن القضايا الإفريقة تجدهم ساكنين ساكتين باردين عن هذه الأشياء كلها، ولكن حينما يحدث قضايا اسلامية عربية ثم يجد بني جلدته مشغولين بمناقشته يبدأ يرد ويناقش مع أن النفوس يصعب عليها تحمل مثل هذه النداءات والردود في مثل هذه الأوقات والظروف الحساسة.

ومن الملاحظات التي يجب أن ينتبه لها دعاة الإهتمام بالقضايا الأفريقية أن مصداقيتهم تكون على المحك عندما يشعرون غيرهم أن سبب دعوتهم إنما هي نتيجة لردود الأفعال واستجابة مضادة للممارسات العنصرية التي تعرضوا لها من قبل العرب، وليست فضية أصيلة مغروسة في داخلهم، فالقضية حينما تكون أصيلة نابتة عن أفعال وليس ردود أفعال تكون أكثر قبولا ومصداقية لدى المخاطبين، أما حينما يشعرون أنها نابتة عن عداوات ومواقف وممارسات قديمة بين المتخاصمين فإنهم سيشككون في مضمون الرسالة

 وهنا أقول: دعوة  الإهتمام بالقضايا الأفريقة دعوة صحيحة مشروعة ولكنها يجب أن تكون دعوة أصيلة قوية مغروسة متجذرة في نفوس دعاتها وليست دعوات ناتجة عن ردود أفعال.

وأخيرا دعوني أقول وأكرر كما أسلفت سابقا بأن اهتمام كثير من دارسي العربية بالقضايا العربية مفرطة في الحقيقة، كما أن اهتمام دارسي الفرنسية والإنجليزية في بلداننا بالقضايا الأوروبية والأمريكية قد تكون مفرطة كذلك، وسبب هذا الإفراط تعود إلى أسباب، منها:

1-         الهزيمة الثقافية التي أصبنا بها من قبل الإستعمار الغربي ومن قبل الإستعراب العربي، فانبهر المثقف المتفرنس والمتأجلز يثقافات الغرب فصار يتابع ويهتم بكل دقائقهم، وانبهر المثقف المستعرب بلغة العرب ولم يملك القدرة الكافية للتمايز بين الديني والعربي في قضايا القوم ومشكلاتهم.

2-         تداخل كثير من القضايا العربية مع الإسلام، كقضية فلسطين، ومع الجماعات الإسلامية كإخوان المسلمين، ومن هنا وفي خضم اهتمام المثقف المستعرب بهذه القضايا تجده ينجرف أحيانا إلى الإهتمام بقضايا عربية عربية بحتة لا ناقة للإسلام فيها ولا جمل، كالحرب العراقي الكويتي مثلا.

3-         كون أكثر دارسي العربية لا يتقنون من اللغات الحية إلا العربية، وبالتالي فإن متابعاتهم للصحف والمجلات والقنوات تقتصر فقط على القنوات العربية، وبالتالي فإن ما تهتم به هذه الوسائل الإعلامية تصبح جزءا من اهتمامه وثقافته، وهي التي تشكل زوايا هوجسه ومشاعره، فالذي يجيد الفرنسية أو الإنجليزية مثلا تجده يقرأ ويتابع أخبار دولته وقارته أكثر من الذي يجيد اللغة العربية فقط.

4-         أن هذا الإهتمام المفرط بالقضايا العربية أو الغربية هي نتيجة بعض المناهج الدراسية التي تربينا عليها، والتي تكرس لدينا الإهتمام بتاريخ وقضايا الأجنبي ( العربي والغربي) أكثر من قضايانا، فلو  كانت المناهج الدراسية الأفريقية أفريقية حقيقية أصيلة لما وجد عندنا هذا الهوس الكبير بالفضايا الأجنبية.

5-         أن من أسباب هذا الإفراط ما يعود إلى مؤسسة الحكم والقيادة في أفريقيا، فرجالات السياسة وقادة الحكم لم يقوموا بما يجعل كثير من أبناء أفريقيا يتشرفون ببلدانهم، فغالبا حينما تستمع إلى أخبارهم وتلفزيوناتهم الرسمية لا تجد فيها إلا  أخبارا طفولية أو محزنة أو مبكية أو مؤلمة، فهذا جعل كثير من الشباب يتقاعسون عن متابعة أخبار هذه القارة السمراء الرائعة.

6-           أنه قد يكون 90%  من الحاصلين على البكاليورس من دارسي العربية في أفريقيا من خريجي الدول العربية، وعندما تأكل وتشرب وتنام وتتعلم في بلد لمدة أربع سنوات على الأقل فإنك ولا شك ستهتم بتلك الدولة ولغتها وأهلها وقضاياها

وأخيرا أقول:
إن الإسلام أكبر من أفريقيا، كما أن أفريقيا مقدمة لدى الأفارقة على الدول العربية والغربية، وعليه فإن المسلم الأفريقي بحق سيهتم بالقضايا الإسلامية ويقدمها على جميع الإنتماءات القبائلية والمناطقية ولا فرق عنده بين أن تقع هذه القضايا في أقصى الشرق أو في أقصى الغرب، أما إذا كانت القضايا عربية بحتة أو غربية بحتة فإنه يجب الإهتمام بقارتك ودولتك أولا (الأقربون أولى بالمعروف)

وعدم الإهتمام بالقضايا الإسلامية الواقعة في الدول العربية أو الغربية خطأ فادح، كما أن الإهتمام بالقضايا العربية أو الغربية المحضة على حساب القضايا الأفريقية خطأ فاضح، والمصيب من توسط واقتصد بين هذا وذاك.

Sunday, August 17, 2014

نصف الظل والتنعل والحلق والذباب

لقد مدح النبي (صلى الله عليه وسلم ) نصف بعض الأشياء  كأن يكون إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، وصيام نصف الدهر كما هو الشأن في صيام داود، وإشراك غيرك في طعامك ليأكل نصفه، (طعام الواحد يكفي الإثنين) كما عند الطبراني، وكذلك جاء النصف  في القرآن وتردد ذكره كثيرا في آيات المواريث، وقد قال تعالى لنبيه  ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ...) ولا شك أن النصف غالبا يدل على القسط والعدل والعدالة، وهو يكتسب فخره من رباعيته ومصدره، فيقال أنصف الرجل إذا عدل، والإنصاف هو العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وبهذا يكون للنصف جمال وشرعية مكتسبة من هذه المستأنسات الشرعية، ومع ذلك فإن للنصف حديث آخر مع بعض الأمور في الشرع، وقد خطر لي هذا الأمر بشكل تدريجي على مر الأعوام، وإليكم ما يلي:

في أوائل الصبا وفي فترة المراهقة وعند تدرجنا في الطلب إلى أن بدأنا نجث ركبتنا عند بعض المشايخ لتعلم بعض الكتب الشرعية، ككتاب بلوغ المرام الذي جذب انتباهي فيه  الحديث النبوي الذي يقول فيه المعصوم (صلى الله عليه وسلم) (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء) وهو عند إمام المحدثين أبو اسماعيل البخاري.
وهو حديث نبوي صحيح، لم يقدر الشكوكات التي أطلقها بعض الكتاب على زعزعته، بل إن بعض أطباء عصر الحديث توصلوا إلى ما صرح به دلالة هذا الحديث النبوي الإعجازي، وهو يدل على أن نصف الذباب لا ينفع، وأنه لا بد أن تغمسه كله في الإناء حتى يعالج نصفه ما ينتج عن النصف الآخر من أمراض.
ثم دارت الأيام دائرتها وعند الإلتحاق بالسنوات الأولى الإعدادية رأيت أحد مشايخنا في (معهد أبي بكر صديق الإسلامي) -وهو معهد عريق ومعروف في غينيا-  يشدد كثيرا في طرد الطلبة الذين يحلقون نصف رؤوسهم ويتركون النصف الآخر، وفي خضم هذه الوقائع كنا نسمع من الشيخ هذا الحديث النبوي  الذي رواه ابن عمر وهو متفق عليه عند الشيخين (أن رسول الله نهى عن القزع) وقد فسروه بأن يحلق الرجل نصف رأسه - أو بعض  رأسه بالأحرى-  ويترك بعضا.
ثم مرّت الشهور فإذا أنا أطلع على حديث آخر مشابه لهذه الأحاديث المتقدمة، وهو مخرج عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن ( لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا) وهو في البخاري.
واليوم كنت أمر على بعض التغريدات في تويتر ففوجئت بحدث آخر مشابه، وهو مروي عند أبي داود  يقول فيه نبي الرحمة (إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل ، وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني الحديث رقم 838 ورقم 3110

لقد استوقفت عند هذه الأحاديث طويلا، وتدبرت فيها ورأيت كيف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان مهتما بأمته، وكيف كان رحيما بهم، فالملاحظ أن هذا الأحاديث كلها تعالج موضوعات متعلقة بحياتنا الدنيوية.
فحديث الذباب ونصف الظل يعالجان قضية صحية، وكيف يمكن أن نتفادى الأمراض، مع أن حديث نصف الظل يعلل أيضا بأنه من مجالس الشيطان كما ورد في نص الحديث.
أما حديث التنعل والقزع فهما يعالجان مظاهرنا وليقاتنا وجمالنا وكيف يجب أن نظهر أمام المجتمع بمظهر جميل ومحترم.
فمن هنا يتضح لنا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أرحم مخلوق إلى المخلوقين، وأحرص عبد إلى العباد، وعندما يرشدنا إلى هذه الدقائق من تصرفانا وأفعالنا يتضح لنا جليا أنه نبي الرحمة والإنسانية وأنه عبد الله ورسوله.


Monday, August 11, 2014

من الذي يمثل الإسلام؟

 كثيرا ما يطرح سؤال في العالم الغربي والإسلامي على سواء، يتمثل في التالي: من الذي يمثل الإسلام؟
أهو منظمة التعاون الإسلامي؟ رابطة العالم الإسلامي؟ المجمعان الفقهيان التابعان لهما؟ الأزهر الشريف؟ هيئة كبار العلماء؟ المملكة العربية السعودية؟ إيران؟ القاعدة؟ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية؟ الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟ داعش؟ والقائمة تطول وتطول.
وقبل الإجابة على هذا السؤال أوضح للجميع  أن هذا السؤال قد يلتبس عند كثير من اللذين يطرحونه بسؤال آخر مقارب، وهو: من الذي يمثل المسلمين؟
فعندي أن السؤالين مختلفين جوهريا، فالذي يمثل الإسلام ليس ضروويا أن يكون هو الممثل للمسلين، وفي هذه المقالة سأحاول الإجابة على السؤال الأول ثم أردفه بالجواب على السؤال الثاني في مقالة أخرى إن شاء الله.
وعليه أقول: إن الإسلام هو الشريعة التي أرادها الله لعباده في كل الأزمان والأماكن، من أول الخلق إلى آخرهم (إن الدين عند الله الإسلام) (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما)
وهذه الشريعة التي أرادها لعباده لا يمكنهم فهمها بواسطة الله مباشرة، فليس جميعم بالمستوى الذي يستحق مخاطبة الله لهم مباشرة؟ فالله أعز وأكبر والإنسان أضعف وأرقّ أن يتخاطبا مباشرة في هذه الحياة (وهذا طبعا باستثناء ما حصل لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام).
وإذا كان ذلك كذلك فلا بد إذن من واسطة، يبلغ عن الله شريعته ويبينها لهم، وهذه الواسطة هم الرسل الذين استحقوا التلقي عن الله أحيانا بالمباشرة وتارة بواسطة أخرى بينهم وبين الله ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) ( وكلم الله موسى تكليما)
إذن فالجواب عن سؤال من الذي يمثل الإسلام؟ يكون كالتالي: الممثل للإسلام هو كلمات الله التي أنزلها على عباده بواسطة الرسل، وكذلك تلك الرسل الذين بلغوها عن الله، فكلمات الله في (التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب) هي التي تمثل الإسلام حسب التسلسل الزمني التي أنزل فيها، ولا نحتاج إلى دليل لنبين أن كلمات الله هي التي تمثل الإسلام، لأننا إذا كنا لا نرى الله ولا يكلمنا نحن وليس بينه وبين أحد منا نسب ولا صلة، فإنه ولا شك تكون كلماته التي أنزلها على المصطفين منا هي التي تمثل إرادته التشريعية لنا تجاه دينه الذي اختاره لنا.
أما الدليل على أن الرسل هم أيضا ممثلون للإسلام كما هو الشأن في كلمات الله فهو كالتالي: إذا آمنا بأن الله هو الخالق، وأنه خلقنا لهدف معين ولخدمة معينة، ولا بد أن يبين لنا هذه الخدمة حتى نفهمه عنه، وقد عرفنا أنه لا يبين لنا هذه الخدمة عن طريق المخاطبة المباشرة لنا بل عن وسائط بيننا وبينه، ثم لم نر مخلوقات أخرى تبلّغ لنا هذه الشرائع بل رأينا بشرا من أمثالنا، قالوا لنا: بأن الله قد اختارهم وسطاء بيننا وبينه لتبليغ رسالته إلينا لبيان الهدف والخدمة التي  يجب أن نقوم بها، فرأينا هؤلاء الممثلون والسفراء والرسل أكمل الناس خلقا، وأداهم للأمانة، يدعون إلى مكارم الأخلاق وينهون عن سفاسفها، ورأيناهم  يبذلون في سبيل إبلاغ هذه الرسالة النفس والنفيس، يفرون من بلدانهم وأوطانهم وذويهم، إضافة إلى ذلك  كله جاؤوا بمعجزات يبرهن على صحة دعواتهم والتي تفرق بين دعواتهم ودعوة السحرة والمشعوذين والكذابين، فكان لا بد أن نصدقهم بأن ما أخبرونا بأنه كلام الله هو فعلا كلام الله.
وإذا كان الله لم يختر هؤلاء القوم إلا لنقاء قلوبهم واكتمال عقولهم وتمام أخلاقهم، وأنهم هم الأفضل والأجدر بتبليغ­ هذه الرسالة منا جميعا، فقد عرف الرب عز وجل أنهم لن يخونوا الرسالة ولن يغدروا، ولن يتنازلوا ولن يهابوا، ولن يخالف قولهم فعالهم، وإخبارهم مخبرهم، وسرهم علانيتهم، وأنهم سيطبقون هذه الشريعة كما أنزل وسيبلغوها كما أمروا، كان لا بد أن يكونوا هم ممثلون عن الإسلام أيضا كما هو الشأن في كلام الله التي أنزل إليهم، إذ كيف يصح في الأذهان أن يختار الله لإبلاغ رسالته من لا يوافي حقه ولا يناسب قدره؟!!!
وإذا سلمنا بهذه النتائج فلا بد أن يدخل عنصرا آخر في تمثيل الإسلام وهو: الأفعال والأقوال العبادية والتشريعية من الرسل والأنبياء، أقصد أحاديث الرسل وأقوالهم، وهذا برهانه أننا إذا آمنا بمهمة الأنبياء وأنهم هم الأكمل والأفضل والأعلى بين البشر وأنهم لا يمكن أن يغدروا أو يخونوا ويعصوا ويستمروا في الكبائر أو يصروا على صغائر أو يقروا على خطأ بدون بيان من الوحي، فإذا آمنا بهذه كلها كان لا بد من الإيمان بأن ما ثبت من أقوال هؤلاء القوم وأفعالهم وتقريراتهم التي ليست جبلية أو عادة من العادات الإجتماعية المحضة أنها تمثل الإسلام.
إذا إلى هنا قد اتضح لنا أن البرهان والدليل القطعي يدل على أن هناك ثلاثة ممثلين للإسلام: كلمات الله، رسل الله، أفعال الرسل وأقوالهم التشريعية.
 فيبقي السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا الجواب: لقد عرفنا أن كلمات الله والرسل وأقوالهم وأفعالهم هي الممثلة للإسلام، ولكن لم يعد للرسل وجودـ والقرآن موجود بين دفتي المصحف ولا يستطيع أن يبين لنا بنفسه ماذا أراد الله بهذه الآية وذلك الحكم وهكذا، وحتى لو كانت السنن النبوية وأقواله وأفعاله خير معين لهذا لكن يبقى أن المنقول منه مغشوش بالضعيف والموضوع، وحتى لو صح فقد لا نجزم بالمراد منه  وبتأويله، إذا فمن الذي سيمثل الإسلام بعد الرسل؟؟
نقول جوابا على هذا السؤال: إن الذي يمثل الإسلام بعد الرسل هم العلماء، وهذا على لسان آخر رسل الله محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: (العلماء ورثة الأنبياء)
ومن هنا سينبرى لنا المستمع أو القارئ الكريم ويقول: رويدك يا أخوي، أليست هذه هي المشكلة منذ بداية النقاش، أليست هذه هي جذور المشكلة، فعندما تقول بأن العلماء هم الذين يمثلون الإسلام، فمن هؤلاء العلماء؟ هل هم علماء الحديث أو الفقه أو الأصول أو اللغة، أهم علماء المملكة العربية السعودية أو مصر أو المغرب أو الشام؟ أم هم علماء السلفية، الأشاعرة ، المعتزلة والصوفية؟ أهم علماء القاعدة والإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظة التعاون الإسلامي والأزهر الشريف؟ أم هم متمثلون في القرضاوي  وعلي جمعة وابن ابن باز وأسامة بن لادن ومفتي بوكو حرام؟
فالجواب كالآتي: قطعا هؤلاء العلماء بأسمائهم وأفرادهم ومؤسساتهم لا يمثلون الإسلام، فهم لم يتحدثوا مع الله لا بوحي ولا من وراء حجاب ولا حتى بواسطة جبريل وإنما استمعوا وقرؤوا وحفظوا وتعلموا ما جاء به الرسل عن الله وما وصلهم من أقوال تلك الرسل وأقوالهم، فإن اكتفوا بحفظ هذه الأشياء في صدورهم وقلوبهم أو دونوها في كتبهم ودفاترهم فلا يكون ما جمعوها أكثر مما جاء به الرسل، فليس هناك زيادة، إذ إنهم لم يفعلوا شيئا آخر وإنما اكتفوا بحفظ ما جاء به الرسل.
أما إذا اجتهدوا في فهم ما جاء به الرسل من كلمات الله، وكذلك اجتهدوا في تصحيح وتضعيف ما جاء عن الرسل واجتهدوا في فهم حكمها وإزالة ملابساتها والترجيح بينها، ثم اجتهدوا في إنزالها على الواقع وربطه به، فإنه لا شك أنهم معرضون للخطأ هنا،بل ليس الخطأ فحسب، بل لا نعرف على وجه القطع درجة إخلاصهم وبعدهم عن الشيطان، وعدم اتباع بعضهم للهوى وطلب إرضاء الناس على مرضاة الله، وكذلك لا نعرف المصالح الخفية أو التهديدات المبطنة أو الحالات النفسية والإجتماعية التي قد تحيد بالعالم عن الحق ويميل عنه بقصد أو دون قصد.
وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن أن نحكم لشخص من الأشخاص أو جماعة من الجماعات أو مؤسسة من المؤسسات أو دولة من الدول أنها تمثل الإسلام، بل إن هؤلاء جميعا يمثلون فهمهم للإسلام الذي قد يصيب تارة ويخفق أخرى، ولكنهم لا يمثلون الإسلام الذي هو دين الله.
وهنا يرد السؤال الآتي من القارئ الكريم،  إذا لماذا قلت في أعلاه بأن العلماء هم ممثلوا الإسلام اليوم، واستدللت بالحديث النبوي (العلماء ورثة الأنبياء)؟
فالجواب أننا نرى أن العلماء يمثلون الإسلام بالنظر إلى جميعهم ومجموعهم، أي أن مجموع العلماء في عصر من العصور هم الممثلون للإسلام، وليس فردا من أفرادهم وإنما جميعهم ومجموعهم، فبجميعم يحفظ هذا الدين، وبجميعهم تتواصل الدعوة الإسلامية حركتها، وبجميعهم تتحقق الوعد ((لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزٌّ يُعِزُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الإِسْلامَ ، أَوْ ذُلٌّ يُذِلُّ بِهِ الْكُفْرَ)) وأخيرا بجميعهم يحفظ مجموع المسائل الإجماعية أو المعروفة من الدين بالضرورة والتي أجمعت عليها الأمة كلها من بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى يومنا هذا، فبواسطتهم يحتفظ بهذه الإجماعات الثابتة الضرورية، فهذه الكليات الدينية والثوابت القطعية كالقرآن ومحمد والكعبة والصلوات الخمس والحج ورمضان والزكاة والفهم الأولي للجهاد وتحريم الربا وغيرها من الأصول الثابتة الضرورية هي التي من خلالها يمثل مجموع العلماء الإسلام، لأنهم هم الذين يضخون فيها الحركة ويذبون عن حياضها ويحافظون على تذكير الناس بها، وعقد الدروس والمحاضرات ودعوة الناس إليها، وبهذه المسائل يكونون ممثلين للإسلام لأنهم هم المتحدثون باسم هذه الأشياء.
أما ما عدا هذا من اجتهادات أفراد الفقهاء والعلماء في القضايا العبادية المحضة، والبرامج السياسية والجهادية والمشروعات الإقتصادية والبنكية والعلمية والميولات الفكرية والعقائدية وغيرها فإن هذه الأشياء كلها لا تمثل الإسلام، وإنما يمثل فهم هؤلاء للإسلام، وأكثرهم مثابون بأجر فيما أخطؤوا فيه وبأجرين فيما أصابوا فيه، وبهذا الجواب التفصيلي نحقق الكلام في هذه المسألة إن شاء الله.


Sunday, August 10, 2014

القضية ليست هي (ايبولا Ebola)


قبل أسابيع  كنت أستمع إلى أحد الصحافيين الغانيين، وقد سألوه ماذا ينبغي أن تفعله غانا في غضون هذه الأشهر للوقاية من ايبولا؟
فأجاب بنكتة: يجب أن نخرج نحن المواطنون إلى الحدود ونقيم مصليات ومخيمات ونرفع أكفنا ونصلى وندعو الله حتى لا يصلنا هذا المرض. فصدم المخرج، وقال: تقصد مصليات في الحدود؟ قال نعم بالضبط. فانفجر جميع ضيوف البرنامج في الضحك.
إن الصحافي الغاني أوصل رسالته بطريقة رائعة وفكاهية  ولكنها رسالة تصب في عمق المشكلة، فالصحافي بكل بساطة يريد أن يقول بأننا في أفريقيا لم نعتني بالأسباب والوقايات والمزوّدات اللازمة لصد هذه الأوبئة والأمراض، وبالتالي لم يبق لنا إلا اللجوء للتضرع والصلاة لينقذنا رب القدر من هذه الموبقات.
هنا حقيقة طبية نتجاهلها في أفريقيا، وهي أن المشكلة ليست هي حصول الأمراض، فالأمراض قد تقع مهما وصل العلم البشري، ومهما تطور التكنلوجيا والمعدات الطبية ووفرنا طواقم طبية من الطراز الأول، ولكن المشكلة الحقيقية هي فقدان المناعة ضد الأمراض.
ودعوني أوضح هذه النقطة بجلاء: من الواضح أنه لكي يحمي أي فرد نفسه وأسرته أو تحصن أي دولة  مواطنيها من الأمراض أو تخفف وطئتها عنهم، فإنه يجب أن تتوافر المناعتان: المناعة الداخلية والمناعة الخارجية.
فالمناعة الداخلية: هي من العطايات الربانية الممنوحة للبشر، فهي التي تقاوم الأمراض داخل أجسامنا وتحاربها، وبدونها فإن أجسامنا لن تقوى على صد أي مرض مهما كانت ضعفه وقلة خطورته.
أما المناعة الخارجية: فهي موجودة خارج أجسامنا، ويمكن توافرها عن طريق إعتناءنا بالبيئة المحيطة بنا من المياه النظيفة والهواء النقي ، وكذلك عن طريق الإجراءات والقوانين والخدمات والبنى التحتية التي توفرها الحكومات لخلق بيئة طبية ملائمة لصحة المواطنين وسلامتهم وحمايتهم من الأمراض.
وهنا سأهتم بالحديث عن مستوى المناعة الخارجية على مستوى أفريقيا، لأن من الواضح أن سلامة وقوة وحيوية المناعة الداخلية تكون نتيجة لتوافر المناعة الخارجية، فالمناعة الداخلية تتقوى وتزدهر عندما تتوافر بيئة صحية نظيفة للإنسان،  زد على ذلك أن بعض الفيروسات تستطيع أن تجد طريقها داخل الجسم وتتجنب المصادمة مع الجهاز المناعي الداخلي، وبالتالي فليس هناك طريقة لحماية الجسم من هذه الفيروسات إلا عن طريق المناعة الخارجية.
وحينما ننظر إلى واقع المياه المشروبة في أفريقيا نجد أن أغلبها ليست على المستوى المطلوب من ناحية المعايير الطبية والصحية الملائمة، ولا يخفى على أحد ما يتسبب فيه فقدان المياه النظيفة من الأمراض الفتاكة من الملاريا والتيفوئيد والكوليرا والتراخوما وغيرها. وتقول الإحصائيات أنه في كل سنة يموت ما يزيد على مليوني شخص جراء استعمال المياة غير ملائمة، وأن 50%  من المرضى الملازمين للفراش في المستشفيات هم من ضحايا الأمراض الناتجة عن هذه المياه.
أما من ناحية الهواء الملوث فإن منظمة الصحة العالمية تقول بأنه في عام 2012م لاقى نحو  600.000 من الأفارقة حتفهم جراء الهواء الملوث، وتقول المنظمة أن أفريقيا هي ثالث أكبر منطقة تعاني من الهواء الملوث في العالم.
لقد مضى على استقلالنا أكثر من نصف قرن، وخلالها لم تهتم حكوماتنا وقياداتنا بالبنى التحتية الصحية بما فيه الكفاية، ولم نوفر من رأس المال البشري ما يسعفنا لحماية الأسر والنساء والأطفال من الأمراض الفتاكة التي تنجم عن استخدام هذه المياه والهواء الملوث.
إن أمراضا كإيبولا لا تقاومه المليونات التي تنفقه الحكومات صبيحة سماعهم بخبر وصول المرض في عقر دارهم، ولا توقفه الصيحات وإعلان حالات الطوارئ المفاجئة التي تتخذها الحكومات المعنية بعد أن فات الأوان، ولات حين مناص.
بل إن مثل هذه الأمراض تقاوم بالوقاية والأنظمة والإجراءات والأجهزة والبنى التحتية الصحية التي تكون جاهزة وفعالة لسنوات طويلة قبل حدوث مثل هذه الأمراض، وإن شئت فقل أنها تقاوم ب (الضربات الإستباقية) على قاعدة جورج بوش.
الأفارقة سيبقون ضحية كبيرة لمثل هذه الأمراض ما لم نقم بتنظيف شوارعنا وحماماتنا وأسواقنا وبيوتنا من الأوبئة والأوساخ، وما لم تعمل أنظمتنا ومناهجنا الدراسية على تخريج كوادر طبية، وما لم نعالج العجز الموجود في عدد المستشفيات والمصحات والممرضات والأدوية المشروعة، وما لم تكن هناك برامج تعليمية شاملة وورشات عمل ودورات وحلقات تلفزيونية وإذاعية وجمعيات ومنظمات خيرية متطوعة تقوم بتوعية المواطنين وتثقيفهم بالمتطلبات الصحية وتعليمهم بما يجب أن يقوموا به نحو البيئة وكيف يحمون أنفسهم ويتخذون الطرق الوقائية اللازمة للحيلولة دون الوقوع في أخطاء صحية فادحة.

 فالوقاية خير من العلاج.


Friday, July 25, 2014

هكذا حدثتي صفحتي

عندما أفتح صفحتي فيسبوكية، تتغير أحاسيسي ومشاعري في كل لحظة، لحظة أمرّ بكلام جميل من عاقل لبيب، ومرة بكلام ساقط من غبي بليد، ومرة بصورة جميلة تسر الناظرين، ومرة بصورة قبيحة تسودّ منها الوجوه، ومرة بخبر مبك، وأخرى بخبر مفرح. 

ولا أزال أستمر في سحب الماوس إلى الأسفل فأرى رجلا أختلف معه في الرأي كليا وآخر أتفق معه تماما وثالثا أتفاهم معه جزئيا، وأستمر فأرى شخصا يلعن رجلا أحبه، وآخر يمدحه حتى يكاد يؤلهّه، ثم أرى خبرا عن السياسة ورجالات السلطة فأجد زميلا يعارض وآخر يؤيد.
وحينما أصل إلى منشورات لمشاهير أجد لأحدهم ثلاثة آلاف اعجاب في عشر دقائق، ثم أر منشورا رائعا لواحد مغمور فلا أر له إلا عشرة إعجابات، مع أن منشور المغمور قد يكون أجمل من منشور المشهور.
وحينما أستمر في السحب والإنزال، أرى أن فلانا ينشر آيات قرآنية وآخر يبث آيات شيطانية، وأجد فلانة لا تتورع عن نشر صورها الخليعة الماجنة مع أن أخرى لا تنشر حتى صورتها المحتشمة المحجبة، وثالثة تنشر صورها مع خمارها وثوبها المحتشم، فأستمر فأجد صورة زميل قديم في الطفولة وآخر تعرفت عليه حديثا، ويكون بين هذا وذاك كيلو مترات وآلاف من الأميال، ولكن يجمعهما لي في لحظة واحدة صفحتي فيسبوكية.
وعندما أكتب منشورا أجد فلانا يمدح بإطلاق وفلانا ينتقد بإطلاق، وآخر يرى بعضه ولا يروق له آخر، وفلانا يرى أنه لا يحتاج إلى قراءته وفلانا يقرأ ولا يعلق، وفلانا قد يشجع ويرى أن أمثالي من الشباب يحتاجون إلى التشجيع، وفلانا قد يرى أن أمثالي من المتعالمين الذين لا يجوز تشجيعهم ومدحهم حتى لا يغتروا.
حقا إن صفحتي تؤكد لي دائما أن الله خلقنا مختلفين، ونحيا مختلفين، وسنموت مختلفين (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.