Tuesday, September 23, 2014

الدرس الإسكتلندي للإنفصاليين الأفارقة

لا أدري هل تابعتم ما جرى في المملكة المتحدة هذه الأيام أم لا؟
طبعا أعتقد أنكم تابعتموه لأنه كان حدثا مهما وعالميا، فاسكتلندا وهي احدى الأجزاء المنضمة إلى بريطانيا لتكوين ما يسمى ( المملكة المتحدة) طالب زعماؤها بإجراء استفتاء شعبي فيما إذا كان الشعب الإسكتلندي ترغب في البقاء في الوحدة أم الإنفصال عنها.
دعوني أذكركم أن تاريخ هذه الوحدة يرجع إلى ما قبل 309 سنة، يعني ثلاثة قرون، واسكتلندا تشكل جزءا مهما من المملكة المتحدة، فالترسانة النووية البريطانية موجودة فيها، والسلاح الجوي البريطاني متمركز أكثرها في استكنلدا، وكذلك فإن الشعب الإسكتلندي يبلغ حوالي 4.1 مليون نسمة، أي ما معدله عشر سكان الممكلة المتحدة.
فلو اختارت اسكتلندا الإنفصال كان هذا يعني أن مكانة بريطانية كقوة عظمى على الصعيد الدولي ستتأثر وتضعف على جميع المستويات، الإقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها، تأثيرات على مكانتها في البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، مجلس الأمن وغيرها، بل إن هيبية بريطانية العظمى وكرامتها التاريخية كانت ستتأثر إلى أبعد الحدود.
لقد طالب راغبوا الإنفصال بالإستفتاء فكان لهم ما أرادوا، فبالمحادثات والمفاوضات والصبر - وليس بالأسلحة والتقاتل - وفر لهم ديفيد كاميرون ما أرادوا، فتم الإستفتاء، وقبل الإستفتاء كانت هناك مفاوضات ونقاشات حول طريقة تقسيم الثروة والموجودات والسياسات التي ستحكم البلدين على كل الأصعدة، مثلا كيف سيكون توزيع الديون، وسياسات الضرائب وتحركات المواطنين بين البلدين إلى العملة المستخدمة بين البلدين. وهكذا تشق هذه الأمم طريقها لحل مشاكلهم في جو هادئ وديمقراطي.
طبعا، بعد تصفية النتائج وإعلانها ظهر أن المصوتين ضد الإنفصال حصلوا على الأغلبية 55% مقابل 45% لصالح الإنفصال.
هل لا حظتم، يعني 45% من الشعب الإسكتلندي يريد الإنفصال، لكن انظروا ماذا حدث بعد النتائج وبعد خسارتهم!! لقد أعلن زعيم المطالبين بالإنفصال عن رضوخه للنتائج، وأنه يحترم إرادة الشعب الإسكتلندي، ولن يرفع أحد من هؤلاء سلاحا ولن يقوم بتفجيرات وإنما سيحترم الجميع حكم الصندوق. وفي المقابل لو كانت الأصوات لصالح الإنفصال فإن بريطانيا العظمى ممثلا في رئيس وزرائها كانت ستقبل بالنتائج وربما لأدى الأمر إلى استقالة ديفيد كاميرون.
إن الواقع الأسكتلندي علمني دروسا:
1-           أن على الحكومات والشعوب الأفريقية احترام إرادة بعضهم بعضا، فللشعوب حق تقرير المصير، وعندما نمنع ذلك الحق فإن العاقبة لا تكون محمودة.
2-            أن على الشعوب الراغبين في الإنفصال أو الحكم الذاتي أو الحصول على حقوق سياسية واقتصادية أخرى محاولة توفير ذلك عبر الوسائل المشروعة وليس عبر الحروب والتفجير والإقتتال.
3-            أن على الدول المتقدمة والكبرى عدم التدخل في شؤون دولنا الداخلية، وعدم محاولاتهم توجيه إرادة الشعوب نحو الإنفصال أو البقاء، فكما أن أحدا لم يتدخل في القضية الإسكتلندية فإن على الدول الأخرى أن تتجنب محاولة تمزيق دولنا بتحريض بعضها على بعض وترغيب بعضنا للإنفصال عن هذه الدولة الأفريقية أو تلك.
4-            أنني قد تعلمت من هذه الواقعة أن الدول الكبرى لا تمتلك حصانة أو عصا سحرية عن المشاكل الكبرى التي تحدق بنا أحيانا، فهذه الدول من المحتمل أن تنقسم إلى دويلات في المستقبل، وهذا ليس مستحيلا في شأن الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو اسبانيا، ومشكلة برشلونة أو استفتاء استكتلندا خير برهان على ذلك.


No comments:

Post a Comment