Wednesday, March 28, 2012

غرفتنا الكبرى (Face book )


                    
فى عام 2005 احتل كتاب "العالم مسطح "  للكاتب الأمريكي الشهيرتوماس فريدمان والذي قسم فيه مراحل العولمة إلى عولمة الدول، عولمة الشركات، عولمة الأفراد، صدارة قائمة نيويورك تايمز لأحسن الكتب مبيعا فى العالم.
وفي /31 ديسمبر/2010 اختارت مجلة تايم الأمريكية  مارك زوكربيرج موسس فيس بوك "شخصية العام".
القاسم المشترك بين كتاب فريدمان،وشخصية مارك، هو أنه لم يحصل من قبل أن أحدا بلور فكرة عولمة الأفراد مثل ما فعل فريدمان، كما أن أحدا لم يعكس الفكرة على أرض الواقع مثل ما فعل مارك.
وعولمة الأفراد تعني بكل بساطة أن كل شخص على الكوكب أصبح يملك فرصة حقيقية على أن يعولم نفسه ويكوكبها بغض النظر عن المكان والزمان والحال. أصبح بالإمكان الإتصال بأي شخص، فى أي وقت، وبأي طريقة. وبإمكان كل شخص أن يجعل مليون شخص يستمعون له أو يقرؤون كتاباته، إذا كان يملك الإرادة الذاتية، والمهارة الكافية.
لقد أصيب الكثيرون بالإمتعاض والمرارة على خلفية اختيار المجلة لمارك بدلا من جوليانغ أسانغ مؤسس ويكليكس، الرجل الذي أثارضجة إعلامية واسعة النطاق، وفضح الدبلوماسية العالمية، وأصاب قيادات العالم المتقدم بالهذيان.
وفى الإستفتاء الجماهيري على موقع المجلة  تفوق جولياغ على نظيره بفارق 20% من النقطة.  كانت الركيزة الأساسية للجنوح الجماهيري للتصويت ضد مارك هو: أن موقع أسانغ  غيّر  الدبلوماسية العالمية، وأنها تمثل لبنة أساسية لجعل العالم أكثر شفافية ونزاهة.
ومع ذلك فإن محرري المجلة كانت لهم نظرة أخرى، فقد وقع اختيارهم على مارك بدلا من أسانغ وفى 13/ديسمبر2010  كتبوا مايلي:
"لإطلاق خدمة التواصل بين أكثر من نصف بليون نسمة ، ورسم خرائط العلاقات الاجتماعية فيما بينهم ، ولإنشاء نظام جديد لتبادل المعلومات من أجل تغيير نمط حياتنا وكيف نعيشها ،فإن مارك زوكربيرج إليوت هو إختيار مجلة تايم لشخصية عام 2010 "
نعم، محررو المجلة كانوا على الصواب والجماهير على الخطإ. فلا يمكن القطع أن ويكيليكس غير الدبلوماسية العالية، إضافة إلى أن قضية الدبلوماسية لا تهم إلا القلة. أما موقعنا العالمية، قد غير نمط حياة كل أطياف المجتمع رأسا على عقب.
إن القوة التأثيرية لهذه الغرفة العالمية أنها جعلتنا جميعا نشعر بذواتنا، وحققت لنا المتعة والمساواة والحرية التى لم نحلم بها من قبل:
لقد حققت لنا المتعة، فيمكننا التحدث مع أصدقائنا فى كل لحظة، وننشر صورنا وذكرياتنا، ويومياتنا، وكل ما نحب. قصر لنا الزمان والمكان، فلم يعد السفر والزواج ولا الوظيفة واالدراسة حاجزا بيننا، بل أصبحت كلها متعة نتبادل ذكرياتها ووقائعها فى هذه الغرفة الحبيبة.
وحققت لنا المساواة، فنحن هنا نجلس على سرير واحد مع ملوك الدنيا ورؤسائها، كل واحد يدخل باسم واحد وبكلمة سر واحدة. لا يوجد هنا نظام كفيل، وليس هناك  شرطي يسألك عن الجنسية ، كلنا جنسية واحدة وكلنا أبناء فيس بوك. حتى الفوارق الإجتماعية تلاشت، لا فرق بين الغني والفقير، والأبيض والأسود، والمرأة والرجل، والصغير والكبير.
لقد حققت لنا الحرية، فهنا نقول ما نريد، ويمكن لأي معارضة أن تشكل جبهة قوية فى وجه الحكومة، وتجمع الأصوات الكافية للإحتجاج ضد مماراساتها.
وهي فى تسابق مع  كوكبنا الأرضية، فسكان الأرض تقدر بستة ملايين نسمة، وقد خلقت قبل آلاف السنين، أما غرفتنا الحبيبة فقد وصل ساكنوها إلى خمسمائة مليون، مع أن عمرها لا تجاوز خمس سنوات ( أنشأت الموقع في 2004 على يد مارك وهو ما زال طالبا فى هافارد وعمره لا يجاوز الثمانية عشر)
وهي فى تسابق مع الشركات الكبرى فى العالم، فقيمتها السوقية وصلت إلى قرابة 50 مليار دولار مع أنها شركة خاصة ليست مفتوحة للإكتتاب الجماهيري، وتفوّق متصفحوها على غوغل وغيره
هذه الغرفة في تسابق مع عقلنا، وتريد السيطرة التامة عليه، هي تريد منا اعطاء جميع الأوقات التي نملكها،  تريد منا نشر كل المعلومات التي بحوزتنا لكل شخص يسكنها، مع أن بعضهم وحوش في صورة آدمي. الغرفة تريد أن نعطيها كلنا لأنها اعطتنا كلها.
الحقيقة، أننا لا نستغني عن استخدام هذه الغرفة لأنها أصبحت حقيقة عالمية،وحاجة عصرية، ولكن ينبغي أن لا نعطيها أكثر مما تستحق، فيجب أن نكون منضبطين في الوقت، وحذرين فى الصداقة، ولعل أحد الطرق الذكية للسكن فيها هو الربط بينها وبين المواقع المفيدة التي نحبها ونقرأها، مثل الإسلام اليوم، البي بي سي، والجزيرة، ، وغيرها 
وقد قال الشاعر العامي الكويتي فهد الشمري:
             نصيحة أقدمها على الناس والعربان
                                              ترى الحب يذبح من على صفحة الفيس بوك
نصيحه اقدمها عللى الناسننيىر والعربان






1 comment:

  1. ما شاء الله, مقالة مفيدة ومركزة, لقد تحدثت عن واقعنا الحلو المرير, تناولته سردا ثم عقبه تحليل وتوجيه. شكرا يا رئيسنا النحرير الألمعي, كم كنت متطلعا لقلمك السيال وفكرك العميق ونظرتك الشاملة وتوجيهاتك السديدة!
    فبارك الله لك فيما وهب, وزادك من نعمه الا متناهية, إنه قريب مجيب.

    ReplyDelete