Thursday, April 19, 2012

المستقبل الأفريقي ضمن المنظومة العولمية الإعلامية

هل تعرفون ما هي التداعيات والمضاعفات الإعلامية  المتوقعة على أفريقيا خلال العقدين القادمين ؟؟؟ حتما لا تعرفونها ولا أدّعي معرفتها بأي وجه من الوجوه ، ولكن دعونا نتكّهن  ونستشرف المستقبل بناءا على معطيات الحاضر، لمحاولة تفادى السلبيات المستقبلية المتوقعة.
أعتقد أننا مقبلون على مرحلة خطيرة وخطيرة جدا!!!
 من البدهيات الواقعية المسلّمة  أن المجتمعات المتلهفة إلى التحضر والتقدم والرقي، تقيم منارة الجامعات العلمية قبل المؤسسات الإعلامية، وتنتشر فيها ثقافة  التزاحم على المكتبات قبل سخافة الهوس  بالفضائيات، وتركز على بناء المراكز البحثية قبل الوله بالأماكن الترفيهية، هذا ما حدث في المجتمعات المتقدمة التي نراها اليوم، فبدءا  بالقرن الخامس عشر عصر اليقظة الأوروبية عروجا على القرن السابع عشر عصر التكامل التنويري والنضج الفكري والفلسفي وصولا إلى القرن العشرين عصر الثورة الصناعية والإختراعات الحديثة  شاع في تلك المجتمعات  نقاشات علمية  وحراكات فكرية ومفاهيم فلسفية تناولت موضوعات المجتمع والدولة وطريقة سياستها فكان من نتيجة تلك المصارعات الفكرانية ولادة مجموعات من التراكمات القيمية والمعيارية شكلت المنظور السياسي والإجتماعي والإقتصادي للدولة والمجتمع ( دولة القانون- الحريات العامة  والفردية- العدالة- التعليم الإجباري والمجاني في كثير من الدول- المساواة- الديمقراطية الحديثة- انتشار ثقافة القراءة والعلم والبحث- توفر الجامعات والمراكز بالآلاف)
فجاءت الثورة الإعلامية في القرن الواحد والعشرين بعد  أن أصبح المجتمع يملك من الوعي والنضج ما يكفي لمسايرة هذه المنتوجات الجديدة ويضبط تصرفات الأفراد إزاءها لما يتوفر لديهم من مقومات التوازن على كثير من الأصعدة ، فعلى الرغم من توافر الوسائل الإعلامية والترفيهية بالملايين، يوجد عندهم ما يقابلها من  المكتبات والمراكز والمؤتمرات والدورات والبرامج العلمية  المزودة بأنواع الإحتياجات المختلفة،  أقاموا البنى التحتية قبل البنى الفوقية ، فسبق  ظهور العلم الإعلام، والكتب الدشوش، ومراكز البحث أماكن اللهو. وأمريكا وأوروبا قوية اليوم لا بجيلها الحالي، ولكن بأجيالها السابقة الذين لم يعرفوا الكثير عن الأفلام والفيس بوك والتويتر والفضائيات، فكانوا مشتغلين بالعلم والمعرفة والإبداع والإختراع.
أما في الحالة الأفريقية والتي هي تفقتد إلى مقوّمات التوازن، وإلى دولة القانون، وتتفشى فيها الجهل والأمراض والعصبية والتخلف الإقتصادي والمرض الفكري،  فإن الإعلام يسبق العلم، والفضائيات تسبق المكتبات،و الملاهي تسبق المراكز وهذا في نظري أخطر ما يكون، لأن الإعلام سلاح فإذا توفر لدى الجميع بدون أن يكون هناك ما يكبو الجماح، ويربط الجأش، ويعقل السفه فإن احتمالية  حدوث حالات الكوراث تكون شديدة الحضور.
 ودعونا نعرج على بعض الإحصائيات عن المواقع الإجتماعية وعدد مستخدميها على النت من أفريقيا،
فمع ان القارة تعتبر حتى الآن من القارات الأقل استخداما للإنترنت حيث تحتل المرتبة الخامسة بين المناطق العالمية ب 100.9 مليون مستخدم، وذلك بعد أمريكا اللاتينية ( 204.7 مليون) وقبل الشرق الأوسط (63.2)  فإن الدراسات تشير إلى أن مستخدمي الإنترنت من دول أفريقيا جنوب الصحراء  زاد بالنسبة 2500% عام 2000-2011 وأن 58% منهم مهوسوون باستخدام المواقع الإجتماعية، وتقول لنا مجموعة ICT WORKS أن هناك قفزة شديدة في عدد مستخدمي الفيس بوك في القارة حيث ارتفع المعدل عام 2011 إلى156 بالمائة ووصل عدد المستخدمين للفيس بوك في أفريقيا إلى 38 مليون شخص عام 2012 وتأتي غانا وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا في مقدمة الدول نموا واستخداما للإنترنت عموما وللفيس بوك على وجه الخصوص..
 المؤشرات الإقتصادية تعطى تكهنات مستقبلية بأن القارة ستشهد نموا اقتصاديا في العقد المقبل ، وسيصبح لكل أفريقي حاسوب خاص الذي لا أعتقد أن الأسواق الصينية ستبخل به علينا، وستركّب على كل بيت مدر ووبر فضائيات ودشوش يجلس عليها الشباب والفتيات والأطفال ليل نهار، ويصبح مرتع الشباب البطالين الفيس بوك والتويتر والمواقع الإجتماعية الأخرى، وسيغدو مجانين الكرة في كثرة متزايدة، حينها تنعدم ثقافة الكتب والقراءة التي لم توجد أصلا، ويقضي  الشباب ذو العقول المبتكرة والمبدعة جل أوقاتهم مع هذه الوسائل فتموت العقول والعبقريات في مهدها.
والأخطر من ذلك والأمرّ أن مجتمعاتنا التي تسود فيها النزعة القبلية والعنصرية والتحامل على الغير ستوظف هذه المواقع الإجتماعية للتحريض والإقصاء والتزوير والكذب والدجل والإسقاط، وسيحاول كثير من المغرضين وأصحاب الطوية الخبيثة زرع الفتن واشتعال النيران والحروب والتدمير عبر هذه الوسائل الإعلامية التي تعطي الحرية لكل متحدث مارق.

هناك سيكون الخطر وخيما، والداء مستفحلا، ويصبح التدخل الخارجي والهيمنة والتبعية والإستعمار الثقافي والإقتصادي سهلا مستغاثا. نعم سيحدث هذا لأننا بدأنا من حيث انتهى الآخرون، بدأنا بالنتائج بدون أن نخوض التجارب، بدأنا نقطف الثمار من أشجار غيرنا، ولم نعرف أبدا كيف تزرع تلك الشجرة أو تصطاد تلك السمكة.
سنمر بهذا لأن مجتمعاتنا تعيش في عصر العولمة مع البدائية العلمية والثقافية، ومع النظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية الهشة االرثّة الساذجة.
نعم سنمر به لأننا ما زلنا تحكمنا الإنتماءات والتعصبات القبلية والعنصرية، وما زال بعضنا يصدق عليه قول الشاعر العربي:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ....... في النائبات على ما قال برهانا
 أدرك بعض الحيثيات الإيجابية لهذه العولمة الإعلامية وخاصة المواقع الإجتماعية منها على أفريقيا، ولكن هذه الوسائل ما زالت بأيدي طبقة مثقفة ومتعلمة، وقد يكون أكثرهم ممن يعيشون خارج أرض الوطن، ولكن الفرضية هنا عن مرحلة الإنتشار اللامحدود لهذه الوسائل في القرى والمدن، وفي جميع طبقات المجتمع مع عدم مواكبة التطورات الإجتماعية والسياسية والعلمية وأخرى لها.
والخلاصة هي أننا – حكومات ومفكرون وعلماء ومجتمعات مدنية- إذا لم نسرع  في محاولة بناء المجتمع والدول على نمط جديد، يتواكب فيها التعليم والبناء السياسي والإقتصادي والإجتماعي والصحوة الدينية مع انتشار هذه الفيضانات  الإعلامية والمواقع الإجتماعية الإنترنتية والفضائيات  التلفزيونية إلى قرانا  ومدننا ومحافظاتنا  فإن الكارثة ستقع، والخطر سيستفحل، ولا استبعد أن نتعرض في ذلك الوقت لإستعمار أو حروب واضطرابات داخلية تكون أخطر مما نتصور.

No comments:

Post a Comment