Saturday, March 31, 2012

هل يجوزالتحلق قبل الجمعة ؟

هذه المسألة لا شك أنها تثير زوبعة فكرية وعلمية في بعض المناطق الأفريقية، وتتردد بين فينة وأخرى في الأندية والمجالس الشرعية، وربما حملها بعضهم أكثر من حجمها. ولكونها مسألة اجتهادية لا يمكن القطع فيها برأي من الآراء ولا باجتهاد من الإجتهادات، أحببت أن أسجل فيها هذه النقاط، وأقول فيها برأيي، فإن صوابا فمن الله، وإن خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريئ منه. وإلى هذه النقاط
:


أولا: المسألة أشكلها صعوبة الوقوف على علة النهي الوارد في الحديث، وعدم معرفة سبب ورود النهي معرفة جازمة، وتعارض القول بعمومه مع مسلك بعض الصحابة والتابعين وغيرهم كما سيأتي ذكره.

ثانيا: لا يمكن جزما الأخذ بما ذهب إليه الخطيب البغدادي، في "الفقيه والمتفقه" وهوظاهر تبويب النووي في الخلاصة من جواز التحلق أو مذاكرة العلم أثناء الخطبة إذا كان المسجد واسعا ولا يشوش على الإمام أثناء خطبته.
ثالثا: أستبعد ما ذهب إليه بعض الفقهاء المعاصرين من المنع المطلق عن الدرس والوعظ والتحلق قبل الجمعة حتى لو تم ذلك بعد الفجر مباشرة، لمجانبته كل العلل التى يمكن تعليل النهي الوارد في الحديث بها، ففي هذه الحالة لا يوجد قطع الصفوف، ولا التشويش على المتنفلين والقراء والداعين، ولا يوجد استخفاف بالخطبة.

رابعا : التحلق والتذكير والوعظ يوم الجمعة في المسجد قبل الصلاة فيه ثلاثة أقوال: الجواز، الكراهة، التحريم
أما الجواز فقد قال به كل من علل النهي فيما كان التحلق فيه لأحاديث الدنيا ومشاغلها، وهو ظاهر مذهب البغدادي، والنووي، والقرضاوي، وابن جبرين وابن عثيمين إلا أنه يرى جواز ذلك بين الشيخ وتلاميذه فقطـ، أما ما كان بمكبرات الصوت ويسمعه الجميع فقد ذهب إلى تحريمه وبدعيته.

وأما الكراهة فقد قال بها من حمل النهي على الكراهة، ورأى بأن النهي لا يمكن أن يصل إلى درجة التحريم. وهو ظاهر كلام الخطابي في المعالم، والبغوي في الشرح والطحاوي في شرح معاني الآثار والرازي في التفسير.
أما التحريم فبحمل النهي على ظاهره وهو ما أفتى به اللجنة الدائمة والألباني رحمه الله، وقد أطلق كلمة النهي بدون تقييد ابن العربي في العارضة، والتربشتي في المرقاة .
والعلة عند أهل التحريم والكراهة، تفويت الأعمال المطلوبة في يوم الجمعة من النوافل والأذكار، والتشويش على من يفعل ذلك، وقطع الصفوف، والإستخفاف بالخطبة.
خامسا: أرجح الجواز، وأن العلة في النهي هي ما كان فيه التحلق في أمور الدنيا ومشاغلها، وذلك لأمور:

أولها: أن الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية قطعية ظنية ، فلا يمكن تخصيصها بأمر ظني جزئي - وهذه مسألة أصولية متنازع فيها، ولكل وجهته- فالنهي هنا جزئي ليس قاعدة عامة في الشريعة، وظني لأن الحديث الوارد ظني الثبوت والدلالة، فابن عجلان تكلم فيه إلا أن الراجح توثيقه وعليه الأئمة. وعمرو ابن شعيب عن أبيه عن أبيه عن جده، شهد جدلا عارما في الأول، ثم استقر كلام جل المحدثين على توثيقه والأخذ بمروياته عن جده، وأرى أن كلام ابن حجر مهم ((و الصواب أنها حجة على المختار لكن حيث لا تعارض( )

ثانيا: دلالة الإقتران، وهذه الدلالة وإن كان ضعيفا لدى بعض الأصوليين إلا أنها مقبولة عند مجموعة منهم. فحديث عمرو بن شعيب عند النظر فيه نجد أن الأشياء المنهية عنها في الحديث متعلقة بأمور الدنيا ومشاغلها، ففيه (( نهى عن الشراء والبيع في المسجد ، وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة)) فالأمور المذكورة كلها قبل التحلق أمور دنيوية فكان التحلق المنهي عنه أمر دنيوي.

ثالثا: كنت أحدث نفسى دائما بأن النهي النبوي لا بد أن يكون القصد فيه حالة خاصة كانت تتكرر في زمن النبي ( صلى الله عليه فنهى عن ذلك، وليست القضية للتذكير أ والوعظ ومذاكرة العلم، وقد ألمح إلى السبب الحقيقى وراء النهي النبوي، العلامة ابن جبرين حيث قال في الدرس الخامس من " أصول السنة للإمام أحمد"
كان الصحابة إذا جاءوا لصلاة الجمعة يكون بعضهم بعيد العهد بإخوته فيتحلقون حلقاً في المسجد ، فيرقى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر و هم لا يزالون حلقاً ، هناك حلقة ، و هناك حلقة ، و هناك أخرى ، و هناك رابعة ، و هناك خامسة ، فنهى عن التحَلُق يوم الجمعة قبل الصلاة ، أي : الذي يقصدون به التحدث فيما بينهم ، و أمرهم إذا دخلوا للمسجد أن يصفوا صفوفاً ، و أن يكونوا صفوفاً على هيئتهم حتى يأتي الإمام و هم على مصافهم ، حتى لا يحصل اختلال و اضطراب عندما يريدون أن يأخذوا مصافهم .اهـ ويؤيد هذا المعنى حديثعن رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سيكون فى آخر الزمان قوم يجلسون فى المساجد حلقا حلقا إمامهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة ". الصحيحة رقم 1163

رابعا: الآثار الكثيرة الوارة عن الصحابة والتابعين ، كآثار التميم، وأبى هريرة، وهناك أثر من أن ثلاثين من الصحابة كان يدرسون في مساجدهم يوم الجمعة، وهناك آثار أخرى عن التابعين. وفي " المدونة " ( 1/379 ) في باب : ما جاء في استقبال الإمام يوم الجمعة و الإنصات . قال ابن القاسم :
"
رأيت مالكا و الإمام يوم الجمعة على المنبر قاعد و مالك متحلق في أصحابه قبل أن يأتي الإمام و بعدما جاء يتحدث و لا يقطع حديثه و لا يصرف وجهه إلى الإمام ، و يقبل هو و أصحابه على حديثهم كما هم حتى يسكت المؤذن ، فإذا سكت المؤذن وقام الإمام للخطبة تحول هو و جميع أصحابه إلى الإمام فاستقبلوه بوجوههم .
قال ابن القاسم : و أخبرني مالك أنه رأى بعض أهل العلم ممن مضى يتحلق في يوم الجمعة و يتحدث ، فقلت لمالك : متى يجب على الناس أن يستقبلوا الإمام بوجوههم ؟ قال : إذا قام يخطب و ليس حين يخرج ".اهـ
وهناك قضايا أخرى ودعاوى مصلحية يمكن لها أن ترجح كفة مذهب الجواز، ولعل التطويل يمنعنى من ذلك. ومن أراد الوقوف على الآثار وتخريجها فليقرأ بحثا للأخ عبد الوهاب مهية وهو موجود في ملتقى أهل الحديث. شكرا لكم جميعا. وما توفيقي إلا بالله

No comments:

Post a Comment