Friday, July 19, 2013

حرارة الصيام وحرارة الأسواق



لقد اختفت نوعية الرمضاء التي اشتق منها اسم هذا الشهر في كثير من الدول وخاصة في الخليج العربي، وذلك بسبب المكيفات وتقليص ساعات العمل في أكثرها، مع قصر النهار وطول الليل في معظمها، إضافة إلى ما  أنعم الله عليهم بها في هذا الزمان من بسطة في الرزق والجسم، ولكن رمضاء أخرى ما زالت موجودة في كثير من الدول إنها رمضاء الأسواق، وحرارة غلاء الأسعار.

في معظم الدول ترتفع  الأسعار في شهر رمضان إلى أكثر من الضعف، وتزداد المصيبة حينما نعرف أن بعض العائلات في بلادنا تتكون من أسر كبيرة، لأن ذلك المسكين تزوج بثلاثة وأربعة ثم أنجبن له عشرات الأولاد، وقد يكون أخوه قد توفي فضم أولاده إلى أولاده وزوجته إلى زوجاته، مع أنه لا يملك وظيفة مضمونة، أو تجارة رابحة أو مهنة راقية.

لقد تعلمت أن ارتفاع الأسعار في رمضان ليست مقصورة على منطقتنا ودولنا الفقيرة فحسب ولكنه قاسم مشترك في كثير من  الدول وإن كانت متفاوتة في الكمية والخطورة وحسب الدخول الفردي للمواطنين، ففي ماليزيا مثلا ارتفع أسعار بعض المواد الغذائية في رمضان هذا العام، وقفز سعر  الدجاح الواحد في بعض المدن إلى أكثر من 200%  وذلك لأول مرة منذ عشرين عاما، مما دعا السلطات إلى اتخاذ قرار إعطاء رخص تجارية لمزيد من الأسواق الشعبية لغرض القضاء على الاحتكار والتعسفات التي يمارسها بعض التجار والمزارعين.
معروف أن السبب الرئيسي في هذه المعضلة يرجع أولا إلى قانون العرض والطلب المعروف في الاقتصاد الرأسمالي، ذلك القانون الذي يقول بأن ازدياد الطلب مع ثبات العرض يسبب ارتفاع في سعر التوازن وسعر الكمية، والعكس صحيح في سعر التوازن –لا في الكمية- عند ازدياد العرض مع ثبات الطلب.

فالجميع يريد أن يأكل نوعيات خاصة في رمضان، الجميع يريد التلذذ باللحم والسكر والخبز، وكل واحد يريد أن يوسع على أسرته الصائمة وأن لا يقصر معهم، فعندما تعرف السوق ذلك يزداد كبرياؤها وجبروتها وطغيانها، وتبدأ تشرع لنفسه وتتحكم في أسعارها، وكأنها تتمثل بقول عمرو بن الكلثوم:

وأنا المانعون لما أردنا......... وأنا النازلون بحيث شينا 
وأنا التاركون إذا سخطنا.....وأنا الآخذون إذا رضينا 

إن مشكلة الغلاء تتفاقم في معظم دولنا الأفريقية، حيث يلتقي ضعف الوازع الديني مع غياب الرادع القانوني،فيتأقلم معهما ضعف الدخل الفردي للمواطنين مما يزيد في التعب والمعاناة.
ولا شك أن  قانون العرض والطلب لا يمكن تجاهله في ظل الاقتصاد الرأسمالي، ولكن يمكن تقليص آثار المشكلة باتخاذ الخطوات التالية:
1-           الشخص الذكي سيشتري بعض الملتزمات الضرورية قبل شهر رمضان، ولن ينتظر إلى أن يدق وقت الذروة، فمثلا ما الذي يمنع من شراء أكياس الرز والزيت والسكر وتخييط ملابس العيد قبل رمضان بشهر أو شهرين؟!!!
2-           استمرار الحكومات في منح الدعم الحكومي ((Subvention de l’Etat للمواد الغذائية، وخاصة في رمضان.
3-           بعض الحكومات تقوم بمنح المواطنين المسلمين أطنانا من الرز والسكر  بمناسبة رمضان، وهذه خطوة محمودة.
4-           على المنظمات وجمعيات حماية حقوق المستهلكين دور كبير في مراقبة نوعية جودة المواد الغذائية المعروضة في السوق.
5-           بعض الحكومات الأفريقية تضع سقفا للأسعار، وتصدر أوامر للتجار بعرض الأسعار المحددة للمستهلكين على غلاف البضاعة، ولكن هذا القرار يبقى حبرا على ورق، فليس هناك قوة تنفيذية أو سلطة قانونية على الواقع لحمل التجار على الرضوخ للقرار المطلوب.
6-           منح مزيد من الرخص للأسواق الشعبية التي تباع فيها الفواكه والخضروات والمواد الغذائية الأخرى، وذلك بهدف الحد من الاحتكار والممارسات التعسفية ممن قبل التجار.