Thursday, May 8, 2014

أنا والشرطي الظريف




حدث لي أن ركبت احدى الحافلات العامة ناسيا أوراقي الثبوتية، فصادف أن أوقفتنا شرطة الجواز مطالبين بإبراز المستندات الشخصية، وبطبيعة الحال أنزلوني من (الباص) وبدأ أحدهم يحقق معي، فقلت له: نسيت أوراقي ياسيدي، ولأول مرة يحدث لي ذلك.

فشدد عليّ أخونا الشرطي، وبدأ يغلظ في القول، فقلت له: دار إقامتي ليست ببعيدة فائذن لي بمصاحبة أحدكم لأطلعه على الأوراق. فرفض ذلك قطعيا، وفي تلك اللحظةأخرجت جوالي لأتصل بأحد زملائي ليأتي لي بالأوراق، فما أن اطلع أخونا على الجوال حتى بادر إلى القول: ارهن جوالك هذا فتمشي وحدك ثم ترجع بالأوراق، فبدأت أشك في نية أخينا الشرطي، فسألته: كم ستمكثون في هذا المكان؟ قال: ربع ساعة. فرفضت العرض، لأنه بدا لي أن العرض شبكة لاصطياد جوالي. وبما أن أخانا الظريف لاحظ من تصرفاتي عدم القلق والخوف والإرتباك مثل باقي زملائي الموقوفين الذين بدا على بعضهم أنهم دخلوا الدولة بطريقة غير شرعية، رأى تغيير الإستراتيجة، فأسرّ إلي حديثا متهمّسا في أذني قائلا لي: طيب يا صديقي حرّك جيبك. فتظاهرت بالغباء وعدم الإهتداء إلى مرامي بلاغته، فردد مرة أخرى بصياغة أكثر صراحة: ادفع شيئا. فقلت: كم يريده سيدي؟ فقال ادفع شيئا بس. فقلت له: ألا ترى من مظهري يا سيدي أني ذاهب لصالة الرياضة، وعليه لم أصطحب معي شيئا يذكر. 

فأصيب السيد الشرطي بالإمتعاض أو تظاهر به، وتركني مليا، وفي تلك اللحظات بدأت أقرأ القرآن بعفوية وبصوت مرتفع، فتفاجأ الأخ الشرطي بقراءتي وتفاجأت أنا بسؤاله قائلا: أأنت مسلم؟ فقلت: نعم. فأردف قائلا: كيف تبخل هكذا؟ ألم تعرف أن البخل حرام في الإسلام؟؟

فتبسمت ضاحكا من قوله – فالسيد الشرطي لم ينتبه إلى تحريم الرشوة التي يسعى لها، وإنما إلى تحريم البخل الذي حكم عليه في غير موضعه- وفي خضم هذه التجاذبات غيّر السيد الشرطي استراتيجيته مرة أخرى لأنه بدأ ييئس من (الولد البخيل) فقال: اذهب واشتر لي بعض المشروبات، فنزلت عند رغبته هذه المرة، وكان مكان شراء المشروبات بعيدا عنهم بعض الشيئ، فذهبت وخطر ببالي أن لا أرجع إليهم لأنهم لم يعودوا يرونني أصلا، ولكني خفت أن لا يسبب هذا التساهل معي التشدد على غيري وخاصة من أصحاب البشرة السوداء، فذهبت واشتريت لهم خمسة مشروبات رخصية، فلما رجعت قال لي السيد: ضعه خلف السيارة، فلما دخلت في السيارة فوجئت بوجود كميات كبيرة من المشروبات المتنوعة ذات الأسعار الغالية، فقلت له: يا سيدي عندكم من المشروبات ما لن تقدروا على إنهائه ثلاثة أيام، فهل لي أن أساعدكم في شربه؟
فقال: تفضل يا صديقي. فمددت يدي لآخذ أغلى المشروبات. فضرب بيدي. قائلا: أنت ولد طمّاع، خذ مشروبا رخيصا وانصرف.
فبحثت فلم أجد من بين المشروبات كلها ما هي أرخص مما اشتريت لهم، فأخذت واحدا منها، فتصافحنا متضاحكين، ثم انصرفت.




No comments:

Post a Comment