Thursday, August 22, 2013

الفاشلون



لقد تأملت أحوالهم ومسيرتهم فوجدت أن القاسم المشترك بينهم يتمحور في لوم الآخر وإعذار الذات. الفاشل الأول الشيطان ألقى باللائمة على رب العزة والجلال ( قال بما أغويتني...) ونسي تكبره وعناده. والفاشل الثاني قابيل رمى بالتبعة على أخيه وحسده (إذ قرّبا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك..) أرءيتم كيف افتقد الرجل إلى المنطق السليم والعقل الرزين فبدلا أن يكون صادقا مع نفسه، و يدرس القضية بالمنهج العلمي والمنطق العقلي السليم ويقوم بمراجعة محاور الضعف في شخصيته، ركن إلى اتهام أخيه وتحميله ورز فشله فقام بإعدامه.
أما الناجحون فهم يلومون أنفسهم إذا أخفقوا وأخطؤوا وخرجوا عن الجادة، فاقرؤوا قول الناجح الأول حينما أخطأ ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) والناجح الآخر يونس عليه السلام ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) وهكذا اتبعهم الناجحون فيما بعد..
نعم إننا لا نهزم أمام الأعداء أبدا لأنهم أقوياء، ولكن نهزم أمامهم لأننا ضعفاء . إن الغرب لم يستعمرنا أبدا لأنه كان عندهم القوة والحضارة والسلاح، ولكن لأننا لم نكن نملك العلم والقوة والوعي والحضارة التي كانت تكفي لصدهم، وزواجك لم ينته إلى طلاق لأن زوجتك عنيدة مكابرة، ولكن لأنك كنت تفقتد إلى الصبر والحلم والحكمة في معالجة الأشياء، وشركتك أو محلك التجاري لم تتكدس وتخسر فيها حتى فقدت رأس مالك لأن المنافسة كانت شرسة من التجار الآخرين، ولكن لأنك لم تقرأ السوق جيدا، ولم تلمّ برغبات الزبائن ولم تهتم بتقديم الخدمات والإمتيازات لهم. إن رسوبك في الإختبار ليس سببه ذلك المدرس المتشدد المتغطرس ولكن لأنك لم تراجع دروسك جيدا، ولم تأخذ حذرك من الأسئلة المعقدة، ومؤسستك التعليمية أصبحت خاوية على عروشها ليس لأن المجتمع عازف عن الدعوة والعلم الشرعي، ولكن لأنها تفتقد إلى مقومات الجاذبية والإدراة الناجحة، و سبب التخلف الأفريقي والعربي والديار الإسلامية ليس لأن الغرب وقف أمامهم في كل مرصد ولكن لأنهم لم يقفوا ضد الجهل والتبعية والفقر والأمراض والفرقة والتنازع ويسدوا طريقها من كل منفذ.

خطأ أن يفني البعض عمره كله في سب اسرئيل ولعنه مع أن طائفتين من الشعب تعادي بعضها بعضا وتفشل للتوصل لحل داخلي فيما بينهم وينقسمون إلى حمساوي وفتحاوي في الوقت الذي هم أحوج فيه إلى الوحدة والتصالح، وخطأ أن يلقي الصوماليين باللائمة على الغرب مع أنهم شعب واحد ولغة واحدة ودين واحد ومذهب فقهي واحد ومع ذلك يتقاتلون!!! وخطأ أن يظل الأفارقة يلعنون الإستعمار في كل وقت وحين وينسبون سبب تخلفهم في هذا العصر إليه، مع أن دولا مستعمرة أخرى نجحوا وتطوروا وتقدموا. خطأ أن تجلس في ظلام دامس وتنهي الليل كله في لعن الظلام ولا تحاول أن تشتعل شمعة لتضيئ لك الطريق!!! إنه الدرس القرآني الذي نتعلمه من هزيمة المسلمين في أحد (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) وفي مكان آخر في سياق آخر يقول ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)

نعم إن كيد الشيطان لضعيف، ولكن تحركاتنا والمناعة عندنا ضد فيروساته أضعف،إن الشر لا يغلب علينا لأنه أقوى ولكن لأن عامل الخير في نفوسنا أهون. وانظر كيف يحاجج الشيطان أولياءه ويفضحهم ويخذلهم بالمنطق والحجة العقلية التي لا يستطيعون ردها – نسأل الله أن لا نكون منهم- ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم...) وأخيرا فإن القاعدة الكلية والكلمة الأخيرة هو قول الله عز وجل ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

Friday, August 9, 2013

وهكذا تمت برمجتي





تحاملت على السلفية ولم أقرأ من كتبهم إلا بواسطة، وسميتهم بالوهابية والحشوية والنصوصيين والرجعيين والظلاميين، وأنهم أساطين التكفير والتبديع والتفسيق،كل ذلك لأن شيخي فلانا اتهمهم بعدواة الأذكار والأوراد، وأنهم المشبهة الذين لا ينزهون الله في أسمائه وصفاته، ولا يراعون مقاصد الشريعة، ولا المصالح والحكم والغايات التي بنيت عليها، وهاجمت الصوفية ولم أعرف عنهم إلا ما نشره أعداؤهم ومخالفوهم، وأنهم عباد القبور وأرباب الشركيات والبدعيات الكفرية، ولعنت الشيعة وخلدتهم في النار ونسبت إليهم كل الموبقات والمهلكات على رغم عدم اطلاعي على كتاب واحد من كتبهم، وإنما كله عبر مقاطع فيديو لشيخ مغمور من مشايخهم أو بواسطة ما ردده شيخ متحامل من مشايخي الذي انتقى من كتبهم ما يعترفون بضعفه أو شذوذه، وبدعت الأشاعرة ولم أفهم حتى مصطلحاتهم وركائزهم ومستند تأويلاتهم، وحكمت على المعتزلة بالزندقة ولم أع حتى أصولهم الخمسة، ولو سألني أحد عن تفاصيلها لضعت وضللت.

لقد هاجمت هؤلاء جميعا من خلال ممارسات أتباعهم وليس من خلال المبادئ والأصول والعقائد التي هي المعيار الحقيقي للحكم على المعتقدات والايدلوجيات والمذاهب.
لقد هاجمتهم جميعا من خلال التركيز على الشذوذات التي قالها عالمهم هذا وذاك، وتغاضيت الطرف عن مذهب السواد الأعظم من علمائهم.

لقد هاجمتهم من خلال الأخذ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة الموجودة في ثنايا كتبهم، ولم أتبع القواعد المنهجية والعلمية والتحقيقية التي يحكّمونها على هذه النصوص.
لقد هاجمتهم لأني أخذت بالتأويلات البعيدة التي لا يقولون بها، ولا تتماشى مع قواعدهم ولا حتى ظاهر اللغة العربية التي استخدموها، وإنما  فقط لأني كنت صيادا في الماء العكر.
لقد هاجمتهم لأني اعتقدت فيهم كل الرزايا والبلايا قبل أن أقرأ لهم كتابا أو أستمع إلى درس. لقد هاجمتهم لأني حتى قبل أن أقرأ لهم كنت أبحث عن مواطن الخلاف بيننا وليس عن مواطن اتفاق.

أقرأ لهم وعندما أر قولا قريبا مما أعتقده أحزن لأنه قد ينجيهم من سلاح تكفيري، وعندما أر لهم قولا زائغا أو (أعتقده زائغا) وخارجا عن الصواب أفرح لأنه يجعل بيننا برزخا وحجرا محجورا.
وهكذا ربيت وكونت، وشيدت المصانع التي أنتج من قوالبها أفكاري وبرمج في كومبيوتراتها  آرائي، لقد تمت برمجتي على أن لا أنظر إلى غيري إلا من خلال نقاط الخلاف والإختلاف، وأن الحق واحد ولا يملكه إلا شخص واحد ولا يمكن أن يكون ذلك الواحد إلا أنا، وبالتالي فمن ليس معي في ذلك الحق فهو ضدي، ومن كان ضدي فلا يستحق تعايشا ولا احتراما متبادلا بل لا يستحق إلا الحرب الضروس والمعركة التي لا تنتهي على مر الأيام والدهور.

وهكذا نجحت هذه الخطة الإقصائية، فصممت آذاني وقفلت قلبي وتعاميت  عن قراءة كتب المخالفين وعن التحاور والتجادل معهم بالتي هي أحسن، تماما مثل الخطة التي وضتعها قريش للصحابي الجليل الطفيل الدوسي عندما دخل مكة فحاولوا برمجة عقله وإغلاقه بأن لا يستمع إلى القرآن وإلى نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن ذلك الصحابي اليقظ الصاح تفطن واستيقظ وعرف أن من الغباوة أن يعيش من خلال إملاءات غيره، ومن السذاجة أن يتخذ أحدا وصيا على أفكاره وعقله، ومن هناك رمى الكرسف الذي وضعه في أذنه واستمع إلى محمد وقرآنه فانشرح صدره للحق والهدى، فهل سأستمع إلى غيري وأرفض الوصايات الدينية والفكرية والإجتماعية والمذهبية، وأرمي بقطني كما رمى طفيل قطن أذنه لأبصر الوجه الآخر من الآراء والحقائق والمنطلقات كما أبصر طفيل الحق والهدى والنور بعد أن رمى كرسفه؟!!!