Wednesday, October 23, 2013

خاطرة حديثية ( النبي يغطي فخذه من عثمان)


كنت جالسا في غرفتي، لابسا إلى ما فوق الركبتين، فخطر ببالي ماذا سيحدث لو أن أحد أصدقائي الذين يكنون لي احتراما كبيرا ولج علي ورآني في هذا المنظر؟!! وبينما كان فكري يجول ويتفكر في تحليل هذه القضية، تذكرت حديث البخاري عن أبي موسى وحديث مسلم عن عائشة رضي الله عن الجميع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليه أبوبكر وعمر فلم يغط فخذه ودخل عثمان فغطى فخذه. حديث أبي موسى حدث في حائط العشرة المبشرين بالجنة، وحديث عائشة كان في بيتها.
فخطر لي منه هذه الخواطر:
أولها: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يتصرف مع أصحابه بشكل حقيقي طبعي، بعيدا عن الرمزية والإستعلائية والتفوقية، نعم هو أفضل البشر وأعظم مخلوق وأشرف من نفخ فيه الروح، ولكنه لم يكن يتصرف  خارجا عن فضاء مجتمعه ولا خارقا لناموس ثقافته، بل إنه كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويرى فخذه من قبل أصحابه، فلا يؤثر ذلك فيه شيئا، فقس على هذا لو دخلنا على مفت أو عالم أو داعية أو شيخ ورأينا فخذه بهذه الصورة كيف سنمقت عليه ونبخس من قدره، ونحط من قيمته.
ثانيها: أن المثير هنا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يغط فخذه بدواعي الإحتفاظ  على مكانته الإجتماعية أو شخصيته الدينية، وإنما فعل ذلك لشخصية عثمان، وبعبار أخرى، إنما كان سبب تغطيته لفخذه لشيئ موجود في عثمان وليس لشيئ موجود فيه هو (صلى الله عليه وسلم) وبيانه أنه لو كان لشيئ موجود فيه هو لغطى فخذه عن كل أحد بمن فيه أبو بكر وعمر، ولكن غطاه لما دخل عثمان فدل على أن السبب موجود في شخصية عثمان. وهو أنه (حيي) وهذا يدل على أن تصرفاتنا لا يجب أن تكون دائما حسب رغباتنا وإنما حسب رغبات شركائنا وأصدقائنا أحيانا.
ثالثها: استفدت من هذا الحديث أن أصدقائي قد يعاملونني أحيانا بمعاملة أدنى من معاملتهم لغيري، وهذا لا يدل على انخفاض مستوى احترامي في مخيلتهم وهواجسهم النفسية والعقلية، وإنما لأن ذلك الشخص يستحق ذلك التصرف الخاص في ذلك الوقت الخاص. فأبوبكر وعمر رضي الله عن الجميع أحب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) من عثمان رضي الله عنه وأكبر سنا منه، ومع ذلك فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يغط فخذه لهما.
رابعها: أن الحيي يستحيا منه أكثر من غيره، فعثمان لما كان حييا ازداد حياء الناس منه والملائكة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) جوابا لعائشة كما في صحيح مسلم لما سألته لماذا غطى فخذه أو ساقه عندما دخل عثمان، قال: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة" إذا هذا يدل على أن هناك قابلية للأخلاق، فحينما تكون لئيما يعاملك من يقابلك بازدرائية سخيفة، وعندما تكون كريما تتلقى المكارم، وعندما تكون شخصية محترمة لا شك أن الناس سيحترمونك أكثر، وعندما تكون شخصية متخوفة رذيلة لا تعرف طاعة لله فإن الشياطين يساعدونك على ذلك (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) فأخلاقنا لها قابلية للرسائل التي نتلقاها. وهذا يتقاطع مع نظرية مالك بن نبي (القابلية للإستعمار)
خامسها: أن الرؤية الإجتماعية التي قد يمثلها كشف الفخذ في مجتمعنا الحاضر ليس بعيدا عن تلك الرؤية السائدة في المجتمع المحمدي، فتغطية النبي لفخذه من عثمان دليل على أنه كان يعتبر شكلا من أشكال الحياء المحمود في تلك المجتمعات وإلا لما غطاه (صلى الله عليه وسلم)، والذي تغير فقط هو أن حجم التحفظ على كشف الفخذ تضاعف في المجتمعات الإسلامية الحديثة، طبعا لقد جاء في أحاديث عديدة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر عدة صحابة في مواقف متعددة بتغطية فخذهم مما يدل على أن الأمر كان شبه منتشر بينهم، إلا أن أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) لهؤلاء الصحابة قد يكون محاولة المحافظة على درجة من الحياء المثالي في المجتمع حتى لا يتحول المجتمع كله إلى كاشفي الفخذ، وكأنه (صلى الله عليه وسلم) وبكشفه لفخذه أحيانا يقول لهم أن الكشف أحيانا وخاصة في البيت كما حدث عند عائشة أو في الحائط كما عند أبي موسى أو كما حدث في خيبر عندما حسر عن فخذه وذلك في ظرف حربي مثلا،  أن مثل هذه الظروف والأحوال تضيق دائرة الكشف إلا أنه يبقيه جائزا، فلا يكون كشفه حراما ولا عدم كشفه سنة وإنما قد يكون من نمط ما سماه البخاري عندما روى حديث أبي موسى ب (الأسند) وحديث جرهد الذي جاء فيه الأمر بستر العورة ب (الأحوط) يعني نأخذ احتياطنا، ولكن لا يصل الأمر إلى أن نحط من كرامة الشخص الكاشف، أو الإحاطة بمكانته الإجتماعية.

سادسها: ليس قصدي هنا إعلان العصيان والتمرد على الأنماط والقيم والأخلاقيات الإجتماعية السائدة في بعض المجتمعات الشرق الأوسطية أو بعض المجتمعات الأفريقية المتحفظة، وإنما أحاول لفت الأنظار إلى مراعات بعض المواقف والبيئات والظروف التي قد تغيب عن عقلياتنا الفقهية والثقافية الإجتماعية السائدة، قد تكون هذه الأشياء ملاحظا أكثر في بعض المجتمعات الغربية أو غيرها عندما يكون كشف العورة لا يشكل الإستدعاء إلى المحاكم الإجتماعية، أو عندما ترتفع درجة الحرارة في بعض المناطق إلى مستوى قياسي، فيحتاج الواحد إلى استنشاق الهواء الطلق، والإستمتاع بالرياح الجميلة، أو قد يرغب بعض الأشخاص في المشاركة في بعض المسابح أو لعب بعض الرياضات فيرغب شخصيا في لبس ما هو فوق الركبتين، ففي مثل هذه المواقف يجب أن لا ننسف كرامته أو نشوه سمعته، ففخذ أكبر رجل في التاريخ وأعظم مخلوق عند الخالق قد رئي في مناسبات عديدة ولم يؤثر ذلك على شخصيته بشيئ فهل يمكن أن نكون مجتمعا متحضرا كمجتمع الصحابة؟!! نسامح رموزنا بأن يستمتعوا بالحياة والرفاهية والمرح والسرور، حتى نتحرر من النمطية المفرطة والرمزية المكلفة لهم ولنا جميعا.

No comments:

Post a Comment