Tuesday, October 1, 2013

الضعيف المعتدي


لا أحد يجسّد هذا الدور أفضل من الإبن الأصغر، فعندما توزع الأم حلويات عليه وعلى أشقائه الكبار بالتساوي، تجده يطالب بمزيد من نصيبهم ويتجاهل أو يجهل المساواة التي وزعت على أساسها الحلوى، مستغلا بذلك طفولته وصغره وضعفه، إنه صنف من أصناف "الضعفاء المعتدون"
وإذا كان هذا مقبولا ولا يستغرب منه في عالم الصغار، فلا يجوز أن نغض الطرف عنه في عالم الكبار.
لقد انتبه العالم كثيرا للأقوياء المعتدين، ولكن ماذا عن الضعفاء المعتدين؟ اهتم العالم بقضية استحواذ الرجال على النساء، والأحرار على العبيد، والأغنياء على الفقراء، وطالبوا القبيلة الحاكمة ذات الأغلبية في الدول بإنصاف الأقليات واحترامها، ولكن العالم لم ينتبه كثيرا للإعتداءات التي قد تصدر من الضعفاء تجاه الأقوياء.
إن مظاهر الإعتداءات والتجاوزات التي تصدر من الضعفاء تجاه الأقوياء واضحة وظاهرة في عالم الأفراد والجماعات والدول والأمم، وعلى مستوى السياسة والإجتماع والإقتصاد.
ففي عالم الأفراد، عندما يرسب أحد المتسابقين في مسابقة دولية ويكون لونه أو لغته أو قبيلته أو دينه مختلفا عن أعضاء لجنة التحكيم أو عن جل المتسابقين، تجد التهمة جاهزة عنده تلقائيا، فيتهمهم بالعنصرية والتمييز ضده، مع علمه أن أداءه لا يصل إلى المستوى المطلوب، إن هذا المتسابق يلعب دور "الضعيف المعتدي"
إن المثلية والشذوذ الجنسي ممنوع في أكثر مناطق أفريقية والعالم العربي، فعندما يقوم شاب في أفريقيا بتنظيم نشاطات مثلية ويقوم المجتمع أو الدولة بمعاقبته فإنهم لم يعتدوا عليه بل هو (الضعيف المعتدي) وذلك بتجاوزاته الخطيرة للأعراف الإنسانية والقوانين الإجتماعية المحترمة والمشروعة في تلك البلاد.
وفي عالم الجماعات والطوائف، فقد توجد جماعة شيعية في دولة ذات أغلبية سنية، هذه الجماعة قد لا تتوافر لها حقوقها كاملة، وعندما تمنحها الحكومة مزيدا من الحرية، تنخرط في محاولة إقناع بعض أبناء البلد بترك مذهبهم (السني) والتحول إلى مذهبها (الشيعي) وهذا استفزاز وخطوات خطيرة تنذر بحدوث صراعات طائفية بين المذهبين، إنه جزء من ممارسات (الضعيف المعتدي)
وعلى مستوى الصراع الجنسي، فإن المرأة تعتبر ضعيفة بالنسبة للرجل، ولقد قامت صيحات وصرخات عالمية بداية من عصر النهضة الأوروبية إلى العصر الحالي بإنصاف هذه الضعيفة وإعطائها حقها، ثم تعالت هذه الصيحات فأسست المنظمات النسائية الدولية، وأخرجت المرأة عن فطرتها، فأصبحت هذه الضعيفة تعتدي على حق الأسرة والمجتمع، وتطالب بأكثر مما لها، وبسبب هذه التجاوزات والإعتداءات والتطرف في إنصاف هذه الضعيفة دمرت الأسر وارتفعت معدلات الطلاق، وأهملت تربية الأطفال، وكثر أولاد الزنا واللقط،  وما زلنا نرى مزيدا من اعتداءات منظمات تحرير المرأة، وآخر صيحاتهن تتمثل في منظمة (فيمن) التي تكشف ناشطاتها عن صدروهن على الملأ  طلبا لمزيد من الحقوق. إنها صورة من صور ممارسات الضعفاء المعتدين.
أما على مستوى الدول، فإن أخطر دور قام به الضعفاء المعتدون في العالم يتمثل في قيام " اسرائيل" فقد استطاع اليهود "الضعفاء" أن يصوروا أنفسهم أمام العالم الغربي أنه وبسبب المحرقة النازية لهم، فإنهم يستحقون العيش في أي مكان في العالم حتى لو كان في قلب المنطقة العربية وفي الأقصى ثالث مسجد لدى المسلمين، وفي القدس الأرض التي باركها الله، فتعاطف معهم الغرب، وتم اختطاف عقول الشعوب الغربية من قبل إعلامها، لأن الدولة اليهودية الصغيرة والتي تتكون من خمسة ملايين فقط تسكن بين يدي أكثر من 300 مليون عربي "همجي متطرف" وبالتالي فهذا الضعيف يحتاج إلى حماية العالم والتعاطف معه، حتى لا يسقط ضحية محرقة أخرى لا تقل شراسة عن المحرقة الهتليرية. واليوم أصبح ذلك (الضعيف) أقوى وأعتى دولة في تلك المنطقة، إنها كانت بارعة في لعبة (الضعيف المعتدي)
وعلى مستوى الأممية، فإن القاعدة وحلفاؤها المتزمتون يشعرون أنهم يدافعون عن الأمة الإسلامية الضعيفة في وجه الإعتداءات الغربية وهيمنتها الإمبرالية، وعندما تمارس القاعدة تكفير المسلمين وتفجير أراضيهم، وتقتل جماعة (الشباب) الصومالية عشرات الأشخاص في مركز تجاري في كينيا ويقوم بوكو حرام بالتفجيرات في نيجيريا، فإنهم جميعا يقومون بدور (الضعيف المعتدي) فالشعور بالضعف والظلم والهيمنة الغربية لا تبرر هذه الإعتداءات.
إن اعتداءت الضعفاء  ليست مقتصرة على قضايا الأفراد والمجتمعات والدول المتمثلة في السياسة والقضايا الإجتماعية فحسب، بل تتعدى تلك إلى عالم الإقتصاد والأعمال، فقبل النظريات الرأسمالية المتطرفة كانت السوق ضعيفة مقابل الحكومات والدول، فجاءت نظرية (حرية الأسواق) فأصدرت القوانين وأفرط في حرية السوق، واليوم أصبح الضعيف (السوق والشركات) أقوى من الدول والحكومات، وأصبحنا في أزمات اقتصادية واحدة تلو أخرى، وذلك بسبب اعتداءت هذا الضعيف الذي تعاطفنا معه أكثر مما ينبغي.
لست ضد إنصاف الضعفاء واعطائهم حقوقهم، ولست ضد العدالة والمساواة والحرية، بل إنني من دعاتها ومن محاربي الهيمنة والغطرسة والإستعلاء، ولكن العالم يجب أن يكون حذرا من البكاءات الزائفة التي قد يطلقها بعض الضعفاء المستغلون، مع أن المطالبات التي تسيل لها دموعهم ليست حقوقا لهم وإنما هي في الحقيقة اعتداءات على حقوق الآخرين.


No comments:

Post a Comment