Wednesday, July 2, 2014

خواطر قرآنية رمضانية (3) تفكيك الإستراتجية القتالية في آية (إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) (بل ألقو)



لقد قرأت آيات المناورات بين موسى عليه السلام والسحرة وتوقفت عند الإستراتيجيات القتالية التي استخدمها كل واحد منهم تجاه الآخر.
ومن سيناريوهات هذه المناورات التي سيطرت على انتباهي والتي توقفت عندها لأكشف غوامضها وأقف على مكنوناتها، هذا السيناريو المتمثل في قول السحرة لموسى ( إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين) وإجابة موسى لهم (بل ألقوا)
الطرح التساؤلي الذي شوش على عقلي يتمثل في الإستفهام التالي:
لماذا اتسم خطاب السحرة هنا بالتواضع والديمقرطية وإسداء حرية الإختيار لموسى، ولم يختاروا ولم يستبدوا بالموقف فيما إذا كانوا هم سيكونون أول الملقين أو آخرهم؟
ولماذا اختار نبي الله موسى أن يكون هو آخر الملقين؟

في الحقيقة لم أجد وقتا للرجوع إلى كتب التفاسير لأقف على ما قاله الجهابذة في تفكيك حيثيات هذا السيناريو،ولعل بعض القراء سيملؤون لي هذا الفراغ.
ولكن- على حال- دعوني أجود بما قالته لي قريحتي:
هناك ثلاثة تحيليلات لتفسير موقف السحرة وديقراطيتهم، وتحليلين لتفسير موقف نبي الله موسى عليه السلام.
أما الثلاثة التي تتعلق بموقف السحرة من إعطائهم الخيار لموسى فهي كالتالي:
الأول: أن المتكبر عندما تملؤه الغطرسة والعنجهية فإنه يتغافل عن الإستراتيجيات ولا يبالي إذا كان هو الأول في السباق أو الأخير، وبالتالي يتساوى عنده الأمرين، ويعتقد أن خصمه المسكين هو الذي يهتم  أن يكون الأول أو الأخير لأنه أضعف منه بكثير، وبالتالي فلا يهمه أن يعطيه الخيار ليختار أحد الأمرين.
وهذا ما قام به السحرة، فالغطرسة كانت قد امتلأتهم، فأعطوا الخيار لموسى ( المسكين) على حد ظنهم الخرافي.
الثاني: أن الأمر قد يكون على عكس الأول، وهو أن السحرة كانت عندهم بقية من الأخلاقيات الإنسانية، وأنهم على رغم كونهم مشركين وسحرة إلا أن بقية الفطرة والأخلاق الإنسانية التي قد توجد عند كل إنسان على مستويات مختلفة حمتلهم على أن يعطوا الخيار لموسى ليختار أن يكون الأول أو الأخير، فموسى هو الذي جاء عندهم وليس معه إلا أخوه، أما هم فقد كانوا أصحاب الدولة والسيادة وأصحاب فرعون، فمن هنا يرون أن يتعاملوا مع موسى على أن السباق ليس فيه أفضلية من هذا الباب، وأنه إذا يريد أن يكون هو الأول أو الأخير فله الخيار في ذلك، فهم متساوون معه في الحلبة، والغلبة سيكون للأقوى.
الثالث: أن الأمر قد يكون من ضروب السيناريوهات الحربية التي تستهدف زرع الخوف والرعب والزعزعة في قلوب الخصوم، فقد ظن السحرة أن إعطاء الخيار لموسى ليكون الأول أو الأخير سيزعزع الثقة واليقين الذي يتمتع به موسى.
بمعنى آخر، عندما تكون في سباق أو خصومة مع شخص، وتظاهرت بثقة فائقة ويقين تام وأنك المنتصر والفائز، وتظاهرت بأنك لا تبالي بالتكتيكات والسيناريوهات الحربية لأنه أضعف بكثير من أن تحتاج إلى كل هذا،  فإن خصمك إذا كان من أصحاب النفوس الضعيفة فإنه سيخاف ويقلق وسيعتقد أن الأمر أكبر من حجمه وأن الخطر محدق به من كل جانب.
ويحتمل أن يكون هذا مما كان السحرة يرمون إليه ، وكأنهم يقولون لموسى عليه الصلاة والسلام، نحن سننتصر سواء كنا أول الملقين أو آخرهم وبالتالي فعليك أن تختار أحدهما، لأنهما سواء عندنا.

أما ما يتعلق باختيار نبي الله موسى ليكون هو الأخير وليس الأول، فإنه قد يحلل في ضوء تفسيرين:
الأول: أنه التواضع، لأنهم ما داموا قد أعطوه هذا الخيار فإنه يحترمهم ويعطيهم الأسبقية والتقدم لبداية المشوار، وكأنه يقول لهم ( ما فيه مشكلة يا قوم. تقدموا، ابدؤوا أنتم، أنا سأكون الأخير)
الثاني: أنه سيناريو من سيناريوهات الحرب حتى يكون الوقع أكثر مفاجأة وأكثر إيلاما لفرعون والسحرة.
وبيان ذلك أنه عندما يكون هناك سباق بين رجلين أو طائفتين، وقام الأول بإطلاق عملياته وانبهر الجميع بذلك، ثم جاء الثاني وتفوق عليه وأظهر أعجوبة أكثر مما قام به الأول، فإن نشوة الفرح وانبهار الجمهور يكون أعلى وأقوى وأكثر فاعلية، أما إذا تقدم الأقوى وتأخر الضعيف فإن ملامع وملامح الإنتصار تفقد شيئا من بريقه وحيويته.
ولهذا لما كان نبي الله موسى عليه السلام واثقا ومتيقنا من الإنتصار الرباني له، اختار أن يكون هو الأخير وليس الأول، وذلك مراعاة لهذه الإستراتيجية القتالية الرائعة.

No comments:

Post a Comment